سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
نشرت جريدة الجزيرة في عدد يوم 8-5-1427هـ خبراً مفاده أنّ امرأة من إحدى ولايات الهند وقعت في غرام ثعبان، فتزوَّجته في احتفال كبير، وعُقد قرانها على يد كاهن هندوسي، وفي الخبر أنّ تزوُّج البشر بالحيوانات أمر شائع في الهند، فقد تزوَّجت فتاة قبلية بكلب ... إلخ ما جاء في الخبر.
والمسلم بلا شك حين يسمع أو يقرأ مثل هذه الأخبار المثيرة للدهشة والاستغراب، التي لا تكاد تصدِّقها العقول، فإنّه بفطرته السليمة يعجب أشدّ العجب كيف وصلت الحال بهؤلاء إلى أن تصدر منهم هذه الأمور المصادمة للفطرة والعقل فضلاً عن الدين، والتي يظنُّها السامع قبل أن يسمعها أنّها ضربٌ من ضروب الخيال يستحيل وقوعها.
وإن كنت تعجب مما تسمع، فالعجب أشدُّ حين تراهم ينصرفون عن عبادة الخالق إلى عبادة المخلوق، يطوفون بالقبور ويعبدون الأشجار والأحجار والأوثان، وينكرون البعث والنشور {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}
فالبُعد عن الصراط المستقيم الذي أمر الله باتباعه والاستقامة عليه، أدّى بهم إلى ما هم عليه من الضلال وانتكاس الفطر، فاحمد الله أيّها المسلم أن هداك للإسلام، ورفعك وأعزّك به، وجعلك على الفطرة السليمة {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}ويقول سبحانه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ. قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}
واعلم أنّ هؤلاء البشر الذين تسمع أو تقرأ عنهم ما يخالف الفطر والعقول والشرائع، عندهم من العقول والأفئدة والمدارك الحسِّية مثل ما عندك، ولكنهم كما قال الله عن أسلافهم المعرضين {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} .. وقال أيضاً {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} أي لمّا جحدوا بآيات الله وحادوا عن دينه وشرعه، وأعرضوا عنه، صاروا أضلّ من البهائم التي لا همّ لها سوى إشباع رغباتها، فلم تنفعهم عقولهم ولا مداركهم، بل أصبحت وبالاً عليهم لا يفقهون بها الحق ولا يبصرونه، يعيشون في ظلمات الجهل والكفر والضلال والإعراض، نسأل الله العافية.
ولو كانت العقول والأفئدة وحدها تنفع أصحابها، من غير انقياد لدين الله وتقديمه على الهوى، لنفعت صناديد قريش، الذين ناوؤا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث عندهم من العقول والأسماع والأبصار ما جعلهم يترأسون أقوامهم، ويكونون أصحاب الرأي فيهم، ولكنهم لمّا اتبعوا أهواءهم معرضين عن دعوة الحق غير منقادين لها، صاروا كالبهائم أو أضل، لم تسمنهم ولم تغنهم عقولهم وأجسامهم من جوع، {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} ويقول سبحانه{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.
فهذه في الحقيقة هي العبرة والفائدة التي نستفيدها حين نسمع بهذه الأمور، أن نذكر نعمة الله علينا بهذا الدين القويم الذي هدانا إليه، ومنّ به علينا من غير حول منّا ولا قوة، وأمرنا بالانقياد له ولزومه بقوله {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}وندرك يقيناً أنّ ضرورة البشر وحاجتهم إليه أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، لأنّ به حياة لأرواحهم وأبدانهم وقلوبهم، كما قال الله سبحانه {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}ويقول سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}وبه تزكو نفوسهم وتطيب حياتهم وعيشهم ويحصل أمنهم واستقرارهم .. يقول سبحانه {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} ويقول سبحانه {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}
فالإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه، ارتضاه لعباده وأكمله لهم وأتمّ عليهم به النعمة وأمرهم بإقامته والاجتماع عليه، وحذّرهم من التفرُّق والاختلاف فيه، فقال جل وعلا {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}وقال سبحانه {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}به تجتمع كلمة المسلمين ويتّحد صفُّهم ويقوى جانبهم وتتآلف قلوبهم، فهو شريعة كاملة منتظمة لمصالح العباد العاجلة والآجلة، صالح لكلِّ زمان ومكان وأُمّة، يدعو إلى ما فيه مصلحة العباد ويحذِّرهم مما فيه شقاؤهم وهلاكهم، ويوجههم إلى ما فيه سعادتهم ونجاتهم .. نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا الاستقامة على دينه والثبات عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
علي بن فهد أبابطين عضو هيئة التدريس بالكلية التقنية في بريدة |