Friday 9th June,200612307العددالجمعة 13 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"عزيزتـي الجزيرة"

حماد السالمي وما كتب! حماد السالمي وما كتب!

سعادة الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة وفقه الله..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أتقدم إلى سعادتكم بجزيل الشكر على النهج المحمود الذي تسير عليه الجزيرة الغراء، من حيث إتاحة الفرصة للجميع لطرح ملاحظاتهم والتعبير عن آرائهم، من خلال نشر ردود القراء على اختلافها ما يثري ساحة النقاش، ويزيد من مساحة التفاعل مع ما ينشر على صفحاتها، ويحقق مبدأ تكافؤ الفرص، ومن هذا المنطلق أبعث إليكم بهذا الرد، آملاً أن يأخذ دوره في النشر.
اطلعت على ما طرحه الأستاذ حماد السالمي في مقالته الأسبوعية في عدد الجزيرة 12295 في يوم الأحد الموافق 1-5-1427هـ تحت عنوان: (وصل العابثون إلى واصل/ مناهجنا.. تتعرى في الطرقات)، إذ تطرق فيها إلى العبث والتدمير الذي تعرضت له صناديق البريد في مدن ومحافظات المملكة عامة ومحافظة جدة خصوصاً على أيدي مجموعة من الشباب هداهم الله، وإنني بهذه المناسبة أشكر الكاتب على تطرقه لهذه الظاهرة وأشد على يده وأوافقه في كل كلمة تناول بها الموضوع، فهذه التصرفات تشكل ظاهرة غير مقبولة وتتنافى مع مبادئ ديننا الحنيف وأصول الحضارة وتنم عن عدم إدراك للفائدة التي تقدمها هذه الخدمة والضرر المترتب على التعدي عليها، وليس هذا هو محور الكلام والنقاش مع كاتب المقال هداه الله، وإنما ما أود الحديث والتعقيب عليه هو محاولاته المستمرة في سبيل إلصاق التهم وإلقاء التبعات على المناهج الدراسية فيما جرى، وكأنها هي المسؤولة أولاً وأخيراً عما يجري في المجتمع، وعلى هذا الأساس سيكون حواري معه..
أولاً- الملاحظ على الكاتب - هدانا الله وإياه - هو التجني المستمر على المناهج الدراسية للتعليم في المملكة العربية السعودية بشكل عام، وبالذات مناهج التربية الإسلامية واللغة العربية ونقدها على الدوام بمناسبة وغير مناسبة، ولم يأت - هداه الله - بأي جديد في مقالته بل هذا هو دأبه وديدنه، ولست هنا أرى أن مناهجنا فوق النقد والتعديل، فهي جهود بشرية والكمال أولاً وأخيراً لله سبحانه وتعالى، ولكن نحسب القائمين عليها قد بذلوا قصارى جهدهم في إعدادها لكي تتلاءم والهدف الذي صيغت من أجله، ووزارة التربية والتعليم - ولست هنا في موقف المدافع والمحامي عنها - من خلال تجربة شخصية، فهي ترحب وتشكر وتقدر كل نقد هادف يسعى كاتبه من خلاله إلى المصلحة العامة، كما أن الوزارة بذاتها تسعى على الدوام إلى مراجعة المناهج وإضافة ما يتطلب الأمر أن يضاف وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحذف، إلا أن الملاحظ على الكاتب - وللأسف الشديد - هو التنقص منها والتقليل من شأنها ما يجعل القارئ يظن أنه يحمل جنسية غير جنسية بلادنا، أو أنه قد تلقى دراسته خارج الوطن والمناهج غريبة عليه، وبالتالي تشكل جديداً بالنسبة إليه، أو أن المناهج حديثة لم تطرح إلا في سنواتنا الأخيرة، أو أنها قد صيغت في دولة أخرى لا تمت للإسلام بأي صلة وقد فرضت علينا فرضاً، ونسي الكاتب أو هو يتناسى أنها - أي المناهج - مبنية على توجه عام قامت عليه الأمة الإسلامية منذ فجر النبوة الشريفة، وقامت عليه الدولة السعودية - حفظها الله - ككيان شامخ منذ دعوة الإمام المجدد المصلح محمد بن عبدالوهاب، ومساندة الإمام الجليل محمد بن سعود له في جهاده ودعوته رحم الله الجميع، أي منذ ما يزيد على قرنين من الزمان، ثم إن هذه المناهج قد تتلمذت عليها أجيال لا تعد ولا تحصى من سكان المملكة العربية السعودية وغيرهم ممن عاش على ثراها الطاهر، وكاتب المقال - من دون شك - أحد هؤلاء الذين تتلمذوا عليها، وطوال السنوات الماضية لم يُذكر عنها شيء من الخلل أو القصور إلا في الآونة الأخيرة، ومن عدد من الكتاب اختلفت مفاهيمهم عما يدرس في هذه المناهج، وهذا قد يعد حقاً من حقوقهم، ولكن ليس على حساب مصادرة آراء الآخرين، وليس لهم الحق في فرضه على الجميع وإلزامهم به، كما أنهم أصبحوا يعلقون كل ما يخالف توجهاتهم ويعارض أفكارهم بل وكل دخيل علينا على شماعة المناهج، ومهما كان مصدره. ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره الكاتب في مقالاته السابقة بتاريخ 16 ربيع الآخر وكذلك في 23 من الشهر نفسه وتحت عنوان: (حصادك مر.. يا مناهجنا) الذي قال فيه عنها ما لم يقله مالك في الخمر.
ثانياً- ما ذكره الكاتب حول العبث الذي طال صناديق البريد وسفوح الجبال وجذوع الأشجار وسيارات المواطنين ومنازلهم، وأضيف إلى كلامه الأثاث المدرسي وغيره من الممتلكات العامة والخاصة، بل لم تسلم من ذلك بيوت الله وغيرها الكثير مما ناله العبث.. كل ما ذكره الكاتب أمر صحيح ولا خلاف عليه ولا يقره أحد على الإطلاق، ولكنه من وجهة نظر خاصة أراه قد صدر من فئات قليلة تفتقد إلى الوعي ولا يمكن تعميمها والنادر لا حكم له، ثم إن مثل هذا العبث ليس جديداً، بل هو قديم جداً، وقد مارسته الأجيال جيلاً بعد الآخر، ولكنه أصبح ظاهرة ملفتة للنظر في أيامنا أكثر من غيرها، وقد يكون الشباب والفراغ والجدة من أسباب هذه الظاهرة، يضاف إليها العولمة والانفتاح على المجتمعات الأخرى والاختلاط بها من قبل بعضهم، ومن دون حدود وعلى أشكال التواصل كلها سواء كان إعلامياً أو خلافه، والتساؤل الذي يطرح في هذه المناسبة: لماذا نوجه التهم دائماً إلى المناهج؟ وهل هي الوحيدة المسؤولة عن التربية والتنشئة؟
إن هناك أطرافاً عدة تشترك وتسهم في تربية أبنائنا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهناك أطراف أساسية في موضوع التربية لا يمكن إغفالها وتجاهل دورها، ومع ذلك لم يتم التطرق إليها أو نقدها لا من قريب ولا من بعيد، وأقصد بهذه الأطراف الأسرة بمفهوميها الضيق والواسع، أما المفهوم الأول فهو الأسرة بمعنى الأب والأم التي يفترض منها تنشئة أبنائها على الأخلاق الإسلامية الفاضلة من احترام للجار وحماية للممتلكات الخاصة والعامة واحترام للطريق وإعطائه حقه الذي حثنا عليه ديننا الحنيف على لسان نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والحفاظ على البيئة وغيرها مما يتطلب القيام به تجاه الآخرين، وأن يكون الطالب على جانب كبير من الأخلاق التي استقاها من البيت ويستكملها ويعززها في مسيرته التعليمية، أما الأسرة بمفهومها الواسع فأقصد به محيط الأسرة من الأقارب والجيران والحي والمسجد والمجتمع بشكل عام؛ فهل قام كل من هؤلاء بدوره المناط به؟ ولعل الكاتب يدرك تماماً ما أعنيه، فقد كنا في الماضي القريب نتربى تحت نظر الجميع، وكلٌّ يبدي حرصاً تاماً في على القضاء على أي ظاهرة سلبية قد تظهر ويتم بترها والتحذير منها في حينها، ومن هنا لم تكن الأجيال السابقة تعاني مما نعاني منه في أيامنا هذه، على الرغم من محدودية التعليم لدى الآباء والأجداد، ومع ذلك كان المجتمع يتمتع بكثير من المثالية، حيث غرست فينا القيم والتقاليد المبنية على تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف منذ نعومة أظفارنا وأصبحنا نمارسها تلقائياً، أما أن تكون نسبة العبث المذكور في بداية المقال إلى المناهج وأنها وراء ذلك، وبالتالي الحكم عليها بالفشل، فأرى أنها تهمة يحاول الكاتب إلصاقها بالمناهج وفيها الكثير من الظلم والتجني؛ فالمناهج كما ذكرت سابقاً قديمة، والظاهرة التي يتحدث عنها الكاتب - هداه الله - جديدة، فكيف يربط بينها وبين المناهج؟ بل إن هذا دليل براءة المناهج مما ينسب إليها، ويعلق بها براءة الذئب من دم يوسف وما ينطبق عليها هو الحال في قصة الذئب والحمل ومحاولة إلصاق تهمة تعكير الماء به.
ثالثاً- بما أن الكاتب - هداه الله - يرى أن المناهج بشكلها الحالي فاشلة، وأنها لم تقم بدورها المناط بها والمتوقع منها، وبالتالي فإن مخرجاتها لم تكن بالشكل المأمول بناء على ما طرحه في مقاله، فإنني أتساءل من أين ظهر المميزون والمبدعون من القيادات والقدوات ورجالات المجتمع في الميادين والمجالات كلها، وعلى ماذا تربو؟ أليسوا نتاج هذه المناهج والتربية التي قامت عليها؟
رابعاً- تساؤل آخر: بما أن الكاتب - هداه الله - يرى أن المناهج فاشلة في إيصال رسالتها التربوية والاجتماعية، فهلا طرح لنا ما يراه مناسباً لإصلاح الخلل حسب رؤيته وتصوره، بدلاً من النقد لمجرد النقد والكلام عن عموميات يشترك الجميع في حدوثها، وبالتالي تحمل تبعاتها، أو الكلام عن مقاطع تم انتقاءها بالملقط من بين مئات الصفحات والموضوعات وللمراحل كلها، وعلى منهج: (لا تقربوا الصلاة)، وتحويرها وتحميلها ما لا تحتمل في سبيل التأكيد على رؤيته. فإن كانت الأولى، فالكلام فيها لا يقدم ولا يؤخر ما لم يقم كل منا بدوره المناط به وعلى الوجه الأكمل استشعاراً لقوله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكل مسؤول عن رعيته)، ومن هنا فلا يمكن أن نؤاخذ أطرافاً بجريرة غيرهم، فلا تزر وازرة وزر أخرى، وإن كانت الأخرى فكفى بمناهجنا نبلاً وفضلاً أن تعد معايبها؛ ومن هنا فهي - ولله الحمد - إلى الكمال أقرب.
خامساً- كم تمنيت وغيري لو كانت الانتقادات للمناهج حول الأمور الفنية من الأساليب المتبعة في توصيل المادة العلمية وكذلك وسائل الإيضاح مما يعزز ويرتقي بالعملية التعليمية، أو تعزيز دور المناهج في تخريج الكفاءات وتوجيهها الوجهة المناسبة حسب متطلبات سوق العمل، أو تكثيف التدريب المصاحب للتخرج، أو حول ما ينبغي إضافته من العناصر إلى هذه المناهج ليزيدها اكتمالاً وجمالاً وتميزاً عن غيرها من المناهج، ما يصب في النهاية في خانة المصلحة العامة؛ وهي - بلا شك - ما ينشده الجميع، ولكن أن يكون المثلب الوحيد فيها ارتباطها الوثيق بالمنهج الرباني الذي هو أساس لا يمكن التنازل عنه، بل هو تاج نتشرف بحمله والانتساب إليه، والقدح فيه هو قدح بالدين الإسلامي، ولم يختلف الكاتب - هداه الله - في طرحه لهذا الموضوع عن آخرين.. أسأل الله لهم الهداية وأسأل الله ألا يكون منهم، وهم ممن أطبقت على بصائرهم وأبصارهم غشاوة الحضارة الغربية الزائفة، فاتخذوها مثالاً وقدوة، وأصبحوا يهاجمون الأمة في ثوابتها، أو ممن اقتاتوا على فتات موائد كتاب لا يفقهون في الدين شيئاً، فأصبحوا يتكلمون بألسنتهم بما لا يعلمون ويعارضون كل ما يمت إليه بصلة دون دلائل تسندها من الواقع.
سادساً- كم كنت أتمنى لو أن الكاتب استغل ما أنعم الله به عليه من قدرات هائلة في النقد والطرح والتحليل والكتابة فيما يعود علينا وعليه بالفائدة، فأين هو من انتقاد ما تنشره الصحف والمجلات على صفحاتها، أو ما يملأ ساحات الإنترنت من مقالات تتعارض مع أقل مبادئ التربية، بل قد تتجاوز ذلك إلى التهكم والسخرية بالدين وأهله، ويطالعها الكثير من النشء مما يثير البلبلة والتشكيك في أذهانهم، ولعل ما تبذله مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من جهود مشكورة في سبيل الحد من الغثاء وسد منافذه لدليل دامغ على فساد ما ينشر في عدد من هذه المواقع، فأين الكاتب منها؟ وأين دوره في التصدي لها؟
وكم كنت أتمنى لو سخر الكاتب قلمه البارع لنقد ما يذاع ويعرض على شاشات القنوات الفضائية من إسفاف واستخفاف له الدور الأكبر في تدمير عقول الناشئة وحشوها بما لا يرجى فائدته، فأين هو من ذلك؟
كم كنت أتمنى لو سخر قلمه وبيانه للتحذير من تلك العادات الدخيلة على ديننا ومجتمعنا، وتفشت بين الشباب وغير الشباب وسرت بينهم سريان النار في الهشيم وبيان أضرارها على الدين والمجتمع، وأثرت بدورها على الكثير من المعتقدات الدينية وقضت على جملة من العادات الاجتماعية الجميلة، إذ كانت مصدر شرف وفخر لنا، فأين هو منها؟
كم أتمنى لو طرح الكاتب ظاهرة التهور في القيادة وعدم الالتزام بنظام المرور التي أودت بحياة الكثير من الشباب وحرمت الوطن من الاستفادة من قدراتهم وحولت جزءاً آخر إلى معاقين.. ألا تستحق هذه الظاهرة المقلقة أن تكون ضمن اهتمامات الكاتب؟
كم كنت أتمنى لو تفرغ - هداه الله - لبيان حقيقة الإسلام وجماله وشرح خصائصه للناشئة بأسلوب يتناسب مع أعمارهم ليكون له دور في عودتهم إلى ما يفيدهم في دينهم ودنياهم، وكثيرة هي القضايا التي تستحق أن تنال الاهتمام ومنها المخدرات وانحراف الشباب والسهر وأضراره والكثير الكثير مما يمكن التطرق إليه وتحذير الشباب منه ليكون الكاتب - هداه الله - سنداً للمناهج والقائمين عليها في تأدية رسالتها بدلاً من قذف التهم جزافاً عليها وأنها وراء التزمت والتشدد، والتكفير وثقافة الإرهاب والتفجير، ونسي الكاتب دور هذه المناهج في تربية رجال ونساء كانت لهم أدوار عظيمة وجهود مشكورة في غرس الفضائل والدعوة إليها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي لهداية الناس ودعوة الجاليات ما آتى ثماره - ولله الحمد والمنة - بشكل يفوق الخيال ويثلج الصدور.
وفي الختام أسأل الله للجميع التوفيق والسداد، وأن يرزقنا الإخلاص فيما نقول ونعمل وأن يجعلنا هداة مهتدين، مفاتيح للخير مغاليق للشر، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

رياض بن إبراهيم الروضان
منطقة القصيم - محافظة عنيزة
ص.ب: 4677
الرمز البريدي: 51911

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved