لا شك أن القراءة بوابة المعرفة الرحبة والعلم الفسيح، ومن المعروف أنه لا سيادة لأمة بدون ثقافة ومعرفة يحتل الكتاب فيها المكانة المرموقة فهو أداة هامة للنهوض والتطور والرقي والتقدم وربط الصلة بين الماضي والحاضر.. والكتب هي تجارب البشرية خلال تاريخها الطويل ويشهد العالم اليوم وعياً متزايداً بأهمية الكتاب والمكتبات لما لها من تأثير ودور كبير، لقد ازدهر التعليم في عدد من الدول حيث عدّوا المكتبة والكتاب ركيزتين أساسيتين لتوفير المعرفة ومصادرها والإسهام بشكل جدي ومثمر في خدمة المناهج الدراسية وتدعيمها وإكساب الطلاب خبرات ومعلومات ومهارات من خلال الاهتمام بالكتاب واستخدامه وعدم الاستغناء عنه لما له من دور بالغ الأهمية في التكوين التربوي والإعداد الثقافي والاجتماعي، ولا غرو فالكتاب هو الضياء في طريق أي إنسان مطلبه ومقصده العلم، وهو مدخل ثقافي لدراسة أي علم كان ولعل الجاحظ من أقدم المؤلفين حيث خصَّ الكتاب بحديث طويل وكلام جيد عن فضل الكتاب وبيان منافعه، فالكتاب وعاء من أوعية المعرفة والمعلومات ووجه حضاري مشرق ووسيلة إلى رقي الأمم فكرياً وذهنياً، فهو يلعب دوراً فعَّالاً في تنمية المعرفة والثقافة، ولقد قيل إن الأمة الواعية هي الأمة القارئة فهو الدعامة الأساسية في مجالات البحث والدراسة والمطالعة ورحم الله أسلافنا الذين يحرصون على الكتب ويهتمون بها حيث يقول أحدهم:
جل قدر الكتاب يا صاح عندي فهو أغلى من الجواهر قدرا |
ولقد قيل إن في قراءة الكتب لذة ومتعة، لكن إذا كانت القراءة في الكتب نشوة وإمتاعاً فإن أمتع اللذات الحديث عن الكتب.. لقد مرَّت على الكتاب في أمتنا عصور كان فيها عالي القدر رفيع المنزلة يتنافس الخلفاء والأمراء عليه ويعتزون بامتلاكه ويمنون بإهدائه، فكان الخليفة المأمون وأمثاله يحتفون بكتاب يُهدى إليهم، وكانوا يفرغون العلماء ويكفونهم مؤونة العيش ليحصلوا منهم على كتاب.. ويروي الجاحظ أنه لما ذهب إلى الوزير ابن الزمان يعوده في مرضه لم يجد هدية يحملها إليه أشرف من كتاب.. ويقول: أردت الخروج إلى محمد بن عبد الملك ففكرت في شيء أهديه له فلم أجد شيئاً أشرف من كتاب (سيبويه) ولما دخل عليه قال: أدام الله صحتك فقال له: ما أهديت لي يا أبا عثمان قال: أطرف شيء كتاب سيبويه بخط الكسائي وعرض الفراء فقال: والله ما أهديت إليَّ شيئاً أحب إليَّ منه - لقد عرفوا للكتاب منزلته لأنهم عرفوا حقيقته ورعوا حقه - ولقد زهد البعض اليوم في الكتاب وأعرضوا عنه ولم يرعوا للعلم حقه.
إن تاريخ الكتاب في الحضارة الإسلامية لحافل بأنصع الصفحات، حيث كان الأسلاف مولعين بالكتب والعناية بالمكتبات والاهتمام بالمعارف والعلوم ونشر العلم في شتى ضروبه وفنونه، وكانوا يأخذون من كل علم بطرف.. يشعرون بالمتعة في قراءة الكتاب.. ويحسون بالألم في البُعد عنه، فها هو شاعر المعرة يقول:
ما جاء في هذه الدنيا بنور زمن إلا وعندي من أخبارهم طرف |
وما أجمل قول القائل:
ولكل صاحب لذة متنزه أبدا ونزهة عالم في كتبه |
|