ترى هل ظن الكاتب الراحل (عبدالرحمن منيف) يوماً أن تتنازع عليه مدن وقرى نجد إلى أيها ينتمي؟ أم أنه ظن أن تتنازعه بغداد وبيروت ودمشق وهي التي أغوته عن نجد.. التي بادلته بالجفاء والوفاء.
لقد رحل محروماً من نجد مفوتاً فرصة المجد بنجد!! فالمجد بنجد طعم آخر؟
فنجد هي القلب وما عداها الأطراف..
واليوم مدينتي الصغيرة رفحاء تنازعه عنوان روايته (مدن الملح)!!
ذلك أنها إحدى مدن الملح و(الملح) هنا ليس ملح (الطعام) أو ملح البحر وإنما من الملح والملاحة والمليح وهو عكس القبيح.
وكل زائر لها لابد أن يصفها بالمليحة أو (المملوحة) وهو وصف اعتاد الناس أن يطلقونه على من أوتي شطراً من الجمال وكثيراً من الجاذبية..
هذه المدينة الرائعة التي أحيت الصحراء من حولها لها من الجاذبية والسحر الحلال ما يجعل القاطنين فيها يتغزولون بها - بل - كثير من المارين عليها استلطفوها!! وآخرون صارت لهم المقر الدائم.
لقد تناغمت مع التطور..
فلم تسبقه فتشيخ! ولم تتركه لتتخلف..!!
لذا لا غرابة أن تراها حاضرة في ذاكرة المحبين لها على مدار العام.
فليالي الصيف فيها كأنما هي في سمر مع ليالي أبها!!
وشتاؤها هبة الله تعالى للصحراء القاحلة التي تعرف أن للمطر طعما آخر مختلف؟
لذا تتمخض عنه فياض من العشق والعشب..
أزاهير وألوان من الروعة تتناثر على الروابي والجبال باتساق رباني بديع..!!
يخالها الناظر ضرباً من الوهم لا (درب من - العشق - العشب).
لقد صاغت نفسها كأنما واسطة العقد في قلب الصحراء..
وإذا لم تتوارد في الذاكرة الجمعية كثيراً فهذا لا يعيبها..
فقد مرت من هنا زبيدة.. وبارك هارون الرشيد.. دربها.. ومرت قوافل الحجاج..
تترى.. تتفيأ ظلاً.. وتشرب قراحا.
لقد التفت إليها التاريخ.. وطبع الملح على جبينها.. وحاصرها العشق من كل جانب..
وأمسكت بتلابيب التقدم.. تتجمل كل يوم.. كعروس في غاية الروعة والجمال..
وأهلها ينتظروا الخطاب.. من يسبق من.. يا رجال المال والأعمال.
|