في صباح يوم الاثنين الموافق 2 من جمادى الأولى لعام 1427هـ فجعتني رسالة وردت إلى هاتفي الجوال تقول {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليهِ رَاجِعونَ}توفي والدي الشيخ إبراهيم العبد العزيز المشيقح والصلاة عليه بعد صلاة العصر بجامع الونيان ببريدة، أسأل الله له ولجميع موتى المسلمين الرحمة والمغفرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه) تلك كانت الرسالة التي وردتني من نايف ابن الشيخ إبراهيم المشيقح، ثم تتالت الرسائل عبر الجوال من أبناء بريدة الذين يعتبرون أن الشيخ إبراهيم العبد العزيز المشيقح الأب الكبير لهم ولمدينتهم. وعندما ذهبت للصلاة عليه قبل صلاة العصر بنصف ساعة وجدت أن ذلك المسجد قد اكتظ بالمصلين انتظارا للصلاة على الرجل الذي أعطى حياته ووهبها لمدينته، وعندما وصلت الجنازة إلى مقبرة الموطأ بمنظر مهيب وجدنا أعدادا كبيرة ممن لم تمكنهم ظروفهم من الصلاة عليه في الجامع يؤدون الصلاة عليه في المقبرة. هذا المشهد وهذا التعاطف الكبير ليس غريبا على أبناء بريدة البررة الذين يكنون أكبر تقدير واحترام وحب لهذا الرجل ولجميع العاملين أمثاله الذين أخلصوا لبلدهم. إنها ظاهرة يكاد يتميز بها أبناء هذه المدينة الأوفياء. لقد حزنت كثيراً جداً كما حزن أبناء بريدة البررة على وفاة هذا الرجل الذي يعده أبناء بريدة أحد رجالها المخلصين وأحد أركانها، ويعده الأهالي والأعيان كبيرهم الذي إذا تكلم أنصتوا لتوجيهاته وآرائه السديدة.
لقد رافقت هذا الرجل في حله وترحاله لعدة سنوات كنت خلالها أتعلم في تلك المدرسة واستفدت كثيراً من توجيهاته وإرشاداته التي كان يخصني بها، رحمه الله. لقد رافقته في كثيرا من أسفاره وحينما يذهب الأعيان للتشرف بالسلام على خادم الحرمين الشريفين أو السلام على أحد أصحاب السمو الملكي الأمراء أو أصحاب المعالي الوزراء كان الشيخ إبراهيم المشيقح كبير الأعيان في بريدة يسير في المقدمة ويجلس في المقدمة وهو المتحدث الرئيسي في أي لقاء من هذه اللقاءات، هذا التقدير والاحترام له من زملائه وأقرانه وإخوانه لم يأت من فراغ وإنما أتى من واقع وتاريخ هذا الرجل وصفات حميدة، حيث كان يتميز برجاحة العقل وبالرأي السديد والخلق الكريم، وكان يعمل للكلمة ألف حساب قبل خروجها من فمه، وكان الوطن يشغل مساحة كبيرة من همومه وشجونه وشؤونه، وكان محباً للخير وداعياً إليه. لقد ترك أبو عبد العزيز أعمالا جليلة سيخلدها التاريخ، لقد زرع بأعماله محبة الناس فأحبوه ومحبته لم تتوقف عند حد حيث أحبه خادم الحرمين الشريفين وسمو الأمير سلطان وجميع أصحاب السمو الملكي الأمراء وجميع من التقى به من كبير أو صغير، وما اتصال خادم الحرمين الشريفين بنفسه على أبناء الشيخ وكذلك صاحب السمو الملكي ولي العهد معزين وداعين للفقيد بالرحمة إلا أكبر دليل على تلك المحبة والصلة الوثيقة التي كانت تربطه بهما، وما قام به صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز حيث أدوا الصلاة على الفقيد وقاموا بزيارة أبنائه في المنزل لأداء العزاء، ولقد حضرت كثيراً من زيارات صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أمير المنطقة للفقيد في منزله حيث كان يزوره أثناء مرضه وقبل المرض.
ولقد حرصت على حضور العزاء في منزل المرحوم طوال أيام العزاء لتقديم وتلقي العزاء في والدي ومعلمي، وكانت جموع الناس يأتون من كل مكان إلى قصر المرحوم لتقديم العزاء وهؤلاء الناس والخلق الكثير هم شهود الله في أرضه، رحم الله أبا عبد العزيز رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن بريدة وأهلها خير الجزاء، وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان على فراقه وجعل في خلفه من بعده خير خلف لخير سلف.
|