غيَّب الموت يوم الاثنين 17 ربيع الآخر من هذا العام الأديب السعودي عبد الله محمد نور، وهو أحد رواد الأدب الحديث في المملكة، وممن ساهم فيه بالتجديد وحمل مشعل التنوير في مجال الكتابة الأدبية والنقدية.
ولد بمكة المكرمة في عام 1357هـ، وفيها تعلم، وعلى يد عدد كبير من شيوخ البلاد درس وتعلم؛ من أمثال حمد الجاسر وعبد العزيز بن باز، فعوَّض بذلك عدم إكماله للدراسة؛ إذ تطلع إلى الندوات والمحاضرات والمطالعة المتنوعة، فرسخت أقدامه في عالم الأدب، فكانت له بصمته الخاصة في الكتابة، ساعده في ذلك امتلاكه حافظة قوية لعيون الشعر والأدب، فسجل حضوراً وحاز إعجاباً في كثير من المحافل الأدبية التي كان يحضرها، ونجح أن يجعل كلَّ مَن عرفوه أو التقوا به يثيرون الأسئلة عنه، أسئلة تثار إن حضر، ومثلها إن غاب، ولو كان غيابه زهداً في الأضواء.
عندما أقول عن عبد الله نور ناي الذاكرة فهذا لأنه ممن اشتهر بالحفظ الجيد للقصائد الحديثة والقديمة، وبخاصة عيون الشعر العربي. ولشهرته وقدرته في الإلقاء والرواية لقصص الأدب فهو بحق ناي الذاكرة، وبخاصة عندما يكتب فتشعر كأنه يريك مشاهد تلفزيونية مثيرة في الحدث والتعبير واللون، بل مثيرة في كل شيء.
في أبها عندما حضر ليحل ضيفاً على أميرها ولينال من يد سموه جائزة المفتاحة للرواد في جائزة أبها عام 1423هـ كانت فرصة لنرى عن كثب ذلكم الرجل الأسمر الطويل النحيل الرياضي الأديب المثقف صاحب الصوت الرخيم والضحكة المجلجلة. لقد قالوا عنه إنه استطاع أن يجمع بين القديم والحديث، وأن يحقق ويبحث ويؤرخ للتراث، وأن يحتفي بالأدب الحديث والأدباء الشباب إلى جانب حبه وشغفه بالأدب القديم.
ولكن يحضر الموت كعادته ويغيب الرجال عنّا لآخر مرة، (هو الموت ما منه ملاذ ومهرب). غاب عبد الله نور وفي غيابه سيختفي قلم جميل لطالما أبدع في إنعاش الذاكرة بكثير من الأحداث والكتابات، وفي غيابه سيغيب أديب ورائد من رواد الأدب الحديث سيظل المثقفون يذكرونه بحب؛ فهو المشارك في تأسيس عدد من المؤسسات الثقافية، ومنها على سبيل المثال أنه شارك حمد الجاسر تأسيس مجلة اليمامة التي شغل بعد ذلك إدارة تحريرها.
غاب عبد الله نور وكأن في غيابه غياب للزمن الجميل وغياب للقامات السامقة في الأدب والثقافة. نأمل أن نقرأ مؤلفات الأديب عبد الله نور التي لم تُطبع، وأن يتولى أبناؤه إخراجها للأجيال المتعطشة لقراءة أدب نور الجميل.. رحم الله عبد الله نور.
|