قليلة هي الحكايات التي تنامت إلى أسماعنا تبرز ظاهرة العنف الأسري، وكثيرة هي الحكايات التي توارت تحت ستار الحفاظ على كيان الأسرة؛ فالكثير يعتبرها شأناً عائلياً خاصاً، وأن على الأسرة أن تبقى متماسكة حتى لو كان نسيج هذا التماسك من خيوط وهمية. إن مصطلح الحفاظ على كيان العائلة لا يعني تقبل العنف والتعايش معه، فأولويات المحافظة على هذا الكيان وقيمه الحقيقة هي الأهم وليس مجرد الحفاظ على صورتها التقليدية أمام المجتمع، بل إن الهدف هو هيكل هذه العلاقة وعمودها الفقري الذي يرتكز على (الحب والأمان).
العنف الأسري عادة ما يوجه إلى الأطفال أو المرأة ويتخذ صوراً متعددة بين الإيذاء الجسدي والنفسي وأقسى نتائج هذا العنف حالات التعذيب التي تدفع المرأة أو الطفل إلى الدخول في دوائر الاكتئاب والإحباط والانحراف.
والتساؤل الذي يجعلنا حائرين: لماذا هذا الاعتقاد الخاطئ بحق الرجل في فرض جبروته على طفل ضعيف أو امرأة؟ ومن المعروف أن هذا الحق الذي اكتسبه لا يستند على أي دين، فالأديان جميعها تستند على مبدأ العدالة والمودة والرحمة ولا تجيز العنف بأي صورة. فرسولنا الكريم يدعو للرفق بالقوارير ويدعو إلى حسن تربية الأبناء ابتداء من لحظة وضع اللبنة الأولى للأسرة من حسن اختيار الأم أو الأب على السواء إلى حسن اختيار اسمه عند مولده فكيف نرضى بإهانته وتحويله إلى إنسان إما يسلك طريق الجريمة أو شخص مريض نفسياً.
إن التفسير الضيق للشريعة أعطى الآباء أو أي سلطة أقوى داخل محيط الأسرة الحق بممارسة العنف بكل أشكاله والذي يأخذ صوراً متعددة بين الضرب والإهانة والتحقير مما يؤدي إلى تراكم ردود الفعل المختلفة داخل نفس الضحية.
معظم حالات العنف الأسري تصدر من آباء منحرفين أصلاً ويمثل مدمنو الكحول والمخدرات أهم أفراد هذه الشريحة ويليهم الآباء المصابون باضطرابات الشخصية والمرضى النفسيون، وهنا نتساءل عن دورنا كأفراد مجتمع في حماية أبنائنا من الدخول في تلك الحلقة المفزعة ويبرز دور بقية أفراد الأسرة في الحفاظ على كيانها وذلك بالتبليغ عن حالات العنف الأسري لأن الفاقد الإنساني أكبر وأكثر أهمية من المحافظة على سراب صورة العائلة أمام الآخرين خوفاً من الشماتة أو الشائعات.
أثار اهتمامي نشر وزارة الشؤون الاجتماعية في الصحف المحلية أرقام هواتف للتواصل معها والتبليغ عن حالات العنف الأسري، وأعتقد أن هذا لا يكفي والسبب أن معظم الأسر المعرضة للعنف هي أسر تعاني من تدني تحصيلها العلمي وضعف مستواها الاقتصادي، ويكون من الصعب وصول ومعرفة تلك الأرقام لها لأن اهتمامات تلك العائلة واحتياجاتها ليس من ضمنها الحصول وقراءة جريدة يومية لأنه من الترف الاقتصادي الذي لا تعرفه وهنا يبرز دور الإعلام وتعاونه بنشر تلك الأرقام على المحطات المسموعة والمرئية حيث إنها موجودة لدى الجميع ومع التكرار يسهل حفظ تلك الأرقام والاتصال بها.
ما نحتاجه هو فهم أعمق للمشكلة يستند على الحقائق ويعمل على مبدأ الوقاية وليس العلاج رغم اعتقادي أنها هي الأصعب ولكن على الأقل متابعة الأسر التي يتوقع أن تظهر بها هذه الحالات وذلك كمبدأ أساسي للوقاية حيث إن الرقابة والمتابعة تكون رادعاً للسلطة الأقوى في الأسرة.
إن وضع خطة محددة لعلاج هذه الظاهرة قبل تفشيها يوجب أن تكون هناك آليات واضحة للتنفيذ وأن يكون هناك تنسيق بين الوزارات المعنية (الشؤون، التعليم، الصحة، العدل، والإعلام، العمل، والداخلية) ومؤسسات المجتمع المدني لعلاج هذه الظاهرة وأن تعطى هيئات حماية الطفل صلاحيات أكبر وذلك لتقديم الخدمات اللازمة للضحايا وكذلك تأهيل المعتدين.
|