بدت الاستهلالة أكثر من طيبة لمهمة الحكومة العراقية الجديدة فغداة إنجازها الكبير بقتل أبي مصعب الزرقاوي تمكنت من إكمال بنائها الدستوري بتسمية آخر ثلاثة وزراء في تشكيلتها، ومع ذلك يظل قتل الزرقاوي الإنجاز الأكبر لهذه الحكومة الوليدة ربما لفترة طويلة قادمة.
ويقر مسؤولون عراقيون كثر أن ذهاب الزرقاوي لا يعني انحسار العنف هكذا ومرة واحدة، لكنهم يقولون ومعهم محللون كثر إن جانباً كبيراً من أعمال العنف سيختفي، بل إن متفائلين يرون أن نسبة التقلص قد تصل إلى خمسين بالمائة.. ومهما كانت التوقعات فمن الواضح أن الزرقاوي الذي كان مرفوضا من قبل معظم ألوان الطيف السياسي والطائفي في العراق كانت بنادقه تتجه وفقا لذلك إلى أكثر من اتجاه سياسي، غير أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن كل هذا البناء الشرير سينهار مرة واحدة بذهاب مهندسه الزرقاوي.. ومع كل ما يقال فإن حجم الإيجابيات يظل كبيرا مع الانحسار المتوقع للعنف وللعمليات الإرهابية، ومن المهم البناء على هذه الحقيقة من خلال إظهار أكبر قدر من التعاون، بمبادرة حكومية تجاه، الكيانات السياسية الأخرى في الساحة العراقية في سبيل السعي لتمتين وحدة سياسية تكون مقبولة كبديل لهذه الفوضوي المدمرة التي يريد لها البعض أن تكون خلاقة.. وهناك الأثر النفسي العميق لتطور كهذا يرتبط باختفاء شخصية تمثل هاجسا مؤرقا لكل القوى السياسية، إذ من المهم عدم الانبهار بعملية القضاء على الزرقاوي والاستغراق في ذلك، وإنما من الضروري مواصلة العملية السياسية بحيث تصبح هي الجانب الأكثر وضوحا والأكثر تعبيرا عن الساحة العراقية رغم التشوهات الكثيرة التي لحقت بهذه الساحة جراء العنف المستشري منذ سنوات.. النجاح المتحقق يصيب في الواقع أكثر من جهة، فليست حكومة المالكي هي الوحيدة في منصة التتويج، فهناك أيضا قوات التحالف الدولي التي أكدت حضورها عند الإعلان عن مقتل الزرقاوي بوجود السفير الأمريكي بالعراق وقائد القوات الأمريكية، ومن المؤكد أن ما حدث سيعطي الكثير من العناصر التي يحتاجها الرئيس الأمريكي للدفاع عن سياسته العراقية في وجه منتقدين متزايدين على الخسائر المتواصلة والثمن الباهظ الذي تدفعه الولايات المتحدة في العراق.
وما ذهبنا إليه فيما يتصل بدعم العملية السياسية لتكون البديل العملي في العراق يستوجب من قوات التحالف مسلكا يتفق مع مثل هذا التوجه، ما يعني في المقام الأول تحجيم حالات الانفلات وسط هذه القوات التي أدت إلى عدة مذابح كان ضحيتها مدنيين عراقيين مثلما حدث في الحديثة والإسحاقي مؤخراً وما يحدث يوميا في نقاط التفتيش عندما ينطلق الرصاص الكثيف ليحصد أرواح المدنيين من أطفال ونساء، وما يتلو ذلك من عمليات انتخابات تساعد كثيراً في دوران عجلة العنف دون توقف.
|