الكتاب: الشورى في المملكة العربية السعودية.
المؤلف: صادق عبدالله دحلان.
الناشر: دار المرسى للنشر.
\كتاب يرصد مرحلة تاريخية من بلادنا كان فيها المؤلف شاهداً على هذه المرحلة من خلال عضويته في مجلس الشورى في العام 1378هـ ثم نائب رئيس مجلس الشورى في العام 1401هـ.
قدم للكتاب د. صالح عبدالله المالك الأمين العام لمجلس الشورى في كلمة قال فيها:
عندما طلب مني زميلي في مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن صادق دحلان، أن أقدم لكتاب والده الجليل (صادق بن عبدالله بن صدقة دحلان) (الشورى في المملكة العربية السعودية من بداية التأسيس في 8 جمادى الآخرة عام 1343هـ إلى عام 1361هـ).. بادرت بالاستجابة بعد أن قرأت هذ السفر النفيس أكثر من مرة، فالمؤلف يؤرخ للشورى في المملكة منذ بداياتها على يد المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وحتى عام 1361هـ.
إن تناول المؤلف هذه الحقبة الشورية ليس سهلاً، نظراً لما تتطلبه من معرفة عميقة لروح العصر الذي تتناوله، ودراية واسعة بمصادر تاريخه وكيفية استعمالها، وخبرة واسعة في قراءة فاحصة لوثائق مجلس الشورى خلال هذين العقدين من تاريخ الشورى في المملكة العربية السعودية.. لفك رموزها واستجلاء الجوانب الغامضة منها.
هذا كله اضافة إلى حاسة تاريخية مرهفة تجلت في غوص المؤلف في أعماق تاريخ مجلس الشورى لالتقاط المعاني والأفكار من بين السطور، فقدم لنا في النهاية صورة متكاملة داخل إطار محدد ثابت لتاريخ هذه المرحلة. ومن هنا اعتمد المؤلف في عرضه على منهج تحليل المضمون من خلال تحليل متعمق لوثائق هذه المرحلة.
وإذا كانت الوثائق والمخطوطات هي الشاهد الأكبر والأوثق لدراسة تاريخ أمة وقراءة فكرها وتوجهاتها وإعطاء حكم على طبيعة نظامها.. فإن هذه الوثائق تؤكد أن الشورى في المملكة العربية السعودية تمثل دعائم أصيلة راسخة قامت المملكة على أساسها، وكلما أوغلنا في دراستها وتطبيقاتها اتضحت في أذهاننا صورتا: الأصالة والتطوير، وقد أقدم المؤلف على هذا العمل.. فدرس وبحث وتقصّى وأوغل في جذور التجربة الشورية للمملكة، وكانت ثمرة جهوده هذا المؤلف الثمين الذي بذل فيه جهوداً جادة وتحليلاً متعمقاً للوثائق.
إن الشورى في المملكة العربية السعودية لم تكن نظاماً فحسب وإنما كانت أيضاً رسالة سامية على الصعيد الوطني بأوسع جوانبه يرجع إليها -بعد الله- كثير من الفضل فيما حققه المجتمع السعودي من بناء دولة راسخة تأخذ بكل أسباب الرقي والتقدم حيث جعلت من كتاب الله الكريم وسنّة رسوله محمد (عليه الصلاة والسلام) دستوراً ومنهجاً لها في الحياة والحرص على ما جاء في القرآن الكريم من تأصيل لمبدأ الشورى على أنه قاعدة أساسية في نظام الحكم بالمملكة.
يؤكد هذه المصداقية مدى تعظيم الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لمبدأ الشورى حيث جاء في خطابه الذي ألقاه في افتتاح المجلس الأهلي عام 1343هـ قوله: (وعلينا اتباع ما جاء في كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلم تنفيذاً لأمره سبحانه وتعالى، حيث قال: {...وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}.
كما جاء في خطابه -رحمه الله- الذي ألقاه في مجلس الشورى الذي تكوّن عام 1346هـ (لقد أمرت ألا يُسنّ نظام في البلاد، ويجري العمل به قبل أن يُعرض على مجلسكم، وتنقّحوه بمنتهى الحرية، وعلى الشكل الذي تكون فيه الفائدة لهذه البلاد ولقاصديها من حجاج بيت الله الحرام).
وتواصلت مسيرة الشورى في المملكة على هذا المنهج حيث رسّخ المغفور له -الملك فهد بن عبدالعزيز- دعائم الشورى فجاء في خطابه التاريخي الذي القاه في 27-8-1412هـ (إن إقامة نظام جديد لمجلس الشورى هو بمثابة تحديث وتطوير للنظام السابق ليتناسب مع التطور والنمو السريع اللذين شهدتهما المملكة في المجالات كافة).
ويعد الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- بحق مهندس الشورى في تكوينه الحديث، فقد أخذ المجلس في عهده دوره الحقيقي على أنه جهة تشريعية، وأصبح جزءاً لا يتجزأ من الحكم، إذ أصبح شريكاً فاعلاً للحكومة في جميع قراراتها التشريعية.
وحالياً يواصل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منهج والده العظيم في مسيرة البناء والتعمير مع التمسك بشريعة الله دستوراً والأخذ بالشورى منهجاً أساساً في الحكم.
لقد اكتظت المكتبات القانونية بمؤلفات الفكر السياسي والدستوري التي تبحث في نظم الحكم التي قامت في الغرب والشرق قديمها وحديثها، وافتقرت هذه المكتبات إلى الكثير من المؤلفات عن الأسس القويمة والقواعد الراسخة لنظام الشورى التي جاء بها الإسلام، والديمقراطية الحقة التي نادى بها باعتبارها النظام السياسي الإسلامي الذي تنبثق منه سلطات الدولة والذي يعد مقابلاً لأي نظام من أنظمة الديموقراطية المعاصرة.
لقد أفرد المؤلف في كتابه هذا لمحات وتوثيقات مرجعية قدمت لنا في النهاية صوراً متكاملة للشورى في المملكة داخل إطار محدد وثابت التاريخ.. وبودي أن يواصل المؤلف غوصه في أعماق المراحل التاريخية للشورى في المملكة حتى وقتنا الحالي فسيجد الكثير والكثير من التجارب والإنجازات والمبادرات التي تعد مصدر إثراء للفقه الدستوري الإسلامي والمقارن، فالمكتبة العربية والإسلامية والأجنبية ما زالت بحاجة إلى مزيد من هذه الدراسات.
آمل أن يوفقه الله إلى حسن تناولها وأن يكون عمله في مؤلفه هذا إضافة نافعة تضيف إلى إسهامات السابقين، ويسد بخاصة أوجه النقص في المعالجات الوثائقية لنظام الشورى في المملكة.
والله ولي التوفيق.
|