Friday 9th June,200612307العددالجمعة 13 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

حتى لا يتكرر سيناريو الوفرة الأولى حتى لا يتكرر سيناريو الوفرة الأولى
كفاءة المخرجات يجب أن تكون هي معيار الابتعاث الأول
د. صالح بن سبعان (*)

ألا يبدو غريبا،ً وفي ظل ما تبذله الدولة أن يتحدث أحد ما عن مشكلة في مسألة الابتعاث للدراسة بالخارج؟!
نعم، يبدو هذا غريباً للوهلة الأولى، إذا ما اكتفينا فيها برصد أشكال الدعم التي تقدمها الدولة وولاة الأمر لتهيئة الظروف لأن يتأهل المبتعث وينتظم عضواً مؤهلاً في عملية النهضة التي تنتظم الوطن في كل المجالات، عضواً فاعلاً ومؤثراً في مجال اختصاصه.
فعندما أصدر المليك قرار مكرمته الكريمة بزيادة مخصصات المبتعثين المالية، كان هذا تعبيراً بليغاً عن مدى استشعاره وفقه الله لاحتياجات هذه الشريحة من أبنائه وهم يجاهدون في ساحة العلم والمعرفة بعيداً عن أرض الوطن، وحرصاً منه أيده الله على تأمين كل ما من شأنه أن يحفظ كرامتهم، فهي من كرامة الوطن.
وبمبادرة غير مستغربة منه منح ولي العهد الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز مكرمة سخية للطلاب السعوديين الدارسين في الجامعات المصرية على حسابهم الخاص خلال زيارته الرسمية للعاصمة المصرية في نوفمبر الماضي لتخفيف المعاناة عنهم بعد إقرار المعايير الخاصة بذلك من وزارة التعليم العالي.
ولم يكتف ولي العهد بذلك بل وجه بإلحاق العشرات من الطلاب والطالبات الدارسين على حسابهم الخاص ببرنامج البعثات الرسمي التابع لوزارة التعليم العالي. إضافة إلى مكرمة مالية لتطوير نادي الطلبة السعوديين في كل من القاهرة والإسكندرية والمنصورة لتفعيل نشاطاتها.
هذا الاهتمام الفائق والرعاية والعناية بمتابعة كافة قضايا المبتعثين لا يقتصر على قيادتنا الرشيدة وإنما يتنزل إلى قيادات وزارة التعليم العالي برحلاتهم المكوكية بين العواصم التي يوجد بها طلبة سعوديون، وآخرها جولة وكيل الوزارة للشؤون الثقافية الدكتور عبد الله المعجل هذا الشهر، والتي تشمل سبع ولايات أمريكية للالتقاء بأكثر من ( 12 ) ألف طالب وطالبة يدرسون في ميتشيغان مبتغيات وفلوريدا وكنساس وكلورادوا وأُريغون وما ساتشوسيتس ونيوجرسي وتكساس.
ولا يعيب التعليم العالي وسفارتنا وملحقاتها هذه التحركات المحمومة بغرض التواصل مع أبنائنا المبتعثين وتفقد أحوالهم، بل يحمد لهم هذا الجهد أثر ما لمسوه من اهتمام قيادتنا الرشيدة. أعزها الله بهذه الشريحة من المجاهدين في طلب العلم، ولا غرو في ذلك من دولة تراهن في بناء وطنها ومواطنيها على الإيمان والعلم والولاء.
درس الوفرة الأُولى
كل ذلك حسن جداً ويؤدي إلى تحقيق ما نطمح إليه جميعاً. ولكن هل يكفي وحده ؟.
هذا هو السؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا بشجاعة ووضوح، وأن نجيب عليه بصدق وشفافية.
ما من عاقل فيما أظن سيقول: نعم، يكفي أن نضخ الأموال للمبتعثين في الخارج، وأن نيسر لهم سبل الحياة والرفاهية بإقامة الأندية، وتفريغ عقولهم إلا للاجتهاد والدراسية والتحصيل، والنتيجة الحتمية والمضمونة بعدها أجيال من الخريجين المؤهلين والباحثين والعلماء ممن تنهض الدولة والمجتمع بهم، إضافة إلى الشرائح الأخرى من القوى الوطنية العاملة في مختلف المجالات.
فالأموال وحدها مهما كثرت لن تضمن لنا تحقيق هذا الهدف، ولكم في حصاد الوفرة الأولى عبرة يا أولي الألباب، لعلكم تعقلون.
فالبعض يذهب إلى الخارج لا حباً في العلم، ولكن للوجاهة الاجتماعية.
والبعض عنده الرغبة ولكن تنقصه القدرة لعدم تأهله لهذه الخطوة أو النقلة على الأصح للاستفادة منها على الوجه المطلوب.
وبعضهم عنده القدرة والرغبة ولكن تنقصه الإرادة لتحقيق ما يرغب، ونرغب كلنا فيه.
وبين هؤلاء وأولئك من عندهم القدرة والرغبة والإرادة فينجحون في تحقيق الهدف من الابتعاث.
وعدا ما يُصرف على هؤلاء من أموال وما يُعلق عليهم من آمال، فإن الباقي يعتبر إهداراً لهذه الإمكانيات أحرى أن يوُجَّه إلى أماكن أخرى.
فقد علمتنا تجربة الوفرة الأولى أن العبرة بالجودة والنوع لا بالكم، ولا أظن أن بيننا من يريد تكرار سلبيات تلك التجربة.
وإذا كان ولاة الأمر والدولة حفظهم الله - قد بذلوا ما من شأنه تهيئة المناخ وتوفير الإمكانيات بما يضمن تحقيق الأهداف العليا للدولة بتأهيل مواطنيها والكل شاهد على ذلك، فإنهم وبمكرماتهم هذى إنما أحالوا ثقل المسؤولية علينا ورموا بالكرة في ملعبنا، لكي نحسن التصرف في هذه القدرات والإمكانيات التي بذلت بسخاء وبلا مَن أو أذى، لتحقيق الأهداف الوطنية التي نسعى لها جميعاً.
ولكي نحقق الهدف المنشود والمأمول من عملية الابتعاث علينا أن نركز في المقام الأول على مخرجاتها، وإلى أي مدى هي مجدية، وبأي قدر يمكن أن تساهم عملياً في حركة المجتمع ومن ثم الدولة في مجال تخصصاتها؟.
هذا هو المعيار الوحيد الذي ينبغي أن نضعه نصب أعيننا ونحن نبتعث أبناءنا إلى الخارج. وهنا تأتي الخطوة الثانية وهي انتقاء العناصر التي تجتاز عتبة هذه المعيارية، والتي أي المعيارية يجب أن تكون صارمة من تطبيق لائحة المواصفات والجودة بتجرد وعدل وشفافية على كل الراغبين بلا استثناء.
وهذه المعيارية حين نترجمها عملياً كمحددات أو شروط لتحديد استحقاق الابتعاث من عدمه لن تتجاوز ثلاثة أو أربعة شروط ومحددات يجب توافرها بالطالب الراغب في الابتعاث، وهي: أن تكون لديه القدرة والكفاءة والاستعداد، أما العامل الرابع ويعتبر من أهم الشروط، وهو عامل الإرادة فلا يمكن اختباره إلا بعد أن ينتظم الطالب المبتعث في الدراسة هناك بعيداً.
إذاً قد تتوافر كافة عناصر القدرة والكفاءة والاستعداد، إلا أن عاملي التنشئة المحافظة في مجتمعه والقدر الهائل من مساحة الحرية المتاحة له هناك بما تزخر به من مغريات وفتن قد تفت من عضد إرادته، وتجرف معه كافة قدراته واستعداداته وكفاءته.
وهنا يلعب عامل قوة الإرادة دوره.
وإذا كان التعليم العالي مسؤولاً بشكل مباشر عن عملية تقييم المبتعثين هنا في الداخل قبل السماح لهم بالسفر بتطبيق ضوابط المعيارية التي بموجبها يمنح الطالب فرصة الابتعاث أو يحرم منها، خاصة وقد شهدت الدراسة في الخارج الآن إقبالاً محموماً. فإن واجبها لن يتوقف هنا.
نعم ثمة جهات أخرى تشترك في عملية متابعة هؤلاء الدارسين في الخارج من النواحي الأخرى، وخاصة وزارة الخارجية التي عن طريقها وعبرها تمارس هذه الجهات دورها في الرعاية والإشراف والمتابعة. إلا أنني أتصور أن وزارة التعليم العالي تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد في هذه العمليات، وذلك عبر ملحقياتها في سفاراتنا بالخارج.
لا أحد يشكك في مدى حرص الوزارة على القيام بمسؤولياتها على قدر استطاعتها، ولكن طالما نحن نقرأ بين الحين والآخر في الصحف عن مدى معاناة بعض طلابنا في اغترابهم التعليمي وطالما نحن نقرأ أيضاً عن معاناة بعض الجامعات والمؤسسات التعليمية من بعض طلابنا، سواءً كان على مستويات تحصيلهم المتدنية أو افتقارهم إلى الحد الأدنى من الالتزام بالنظم الجامعية، فإننا نستنتج بلا أدنى شك أن هناك خللاً ما في عملية الاختيار للابتعاث، من ناحية ، وأن هناك قصوراً ما في بعض آليات الوزارة وغيرها من الجهات المسؤولة عن متابعة هؤلاء الطلاب والإشراف عليهم، من ناحية أخرى.
وقد أتيح لي الاطلاع على بعضٍ من مثل هذه القضايا في صحفنا، حيث لاحظت أن الكثير من رؤساء بعثاتنا الدبلوماسية يشتكون من ضعف كوادر الملحقيات، وشُحّ إمكانياتها للقيام بدور المتابعة والإشراف والرقابة على المبتعثين وغير المبتعثين الحكوميين من طلابنا في الخارج. وهكذا.. فإن العملية برمتها تحتاج إلى إعادة نظر، لأن ولاة الأمر والدولة فعلوا ما عليهم... فماذا نحن فاعلون؟!
نقول هذا؛ لأن المملكة انضمت إلى منظومة التجارة العالمية، ولأن طوفان العولمة الذي يتعامل مع القوى العاملة لا يعرف المواطنة والقومية وكافة هذه التعبيرات العاطفية، وإنما يضع معيار الكفاءة والخبرة والفاعلية في المقام الأول، ولايعترف بالحدود القومية والعرقية والثقافية.

(*)أكاديمي وكاتب سعودي

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved