|
انت في |
ويقول القاضي النُّباهيّ في باقي ردّه على لسان الدين بن الخطيب: (يا أخي - أصلحني الله وإياكم - بقي من الحديث شيء الصوابُ الخروجُ عنه لكم؛ إذ هذا أوانه، وتأخير البيان عن وقت الحاجة فيه ما فيه، وليكون البناء بعد أن كان على أصل صحيح بحول الله، وحاصله أنكم عددتم ما شاركتكم فيه بحسب الأوقات، وقطعتم بنسبة الأمور كلها إلى أنفسكم، وأنها إنما صدرت عن أمركم وبإذنكم، من غير مشارك في شيء منها لكم، ثم مَننتم بها المنَّ القبيح المبطل لعمل بِرِّكم على تقدير التسليم في فعله لكم، ورميتم غيركم بالتقصير في حاله كله، طريقَةَ مَن يُبصر القَذى في عين أخيه ويدع الجِذْع في عينه، وأقصى ما تَسنّى للمُحِبِّ (يعني نفسه) أيام كونكم بالأندلس تَقلُّد كلفة قضاء الجماعة، وما كان إلا أن وليتها بقضاء الله وقدره، فقد تبيَّن لكل ذي عقل سليم أنه لا مُوْجِدَ إلا الله، وأنه إذا كان كذلك كان الخير والشرّ والطاعة والمعصية حاصلاً بإيجاده سبحانه وتخليقه وتكوينه من غير عاضد له على تحصيل مُراده ولا مُعين، ولكنه جلَّتْ قدرته وعدَ فاعل الخير بالثواب فضلاً منه، وأوعد فاعل الشرّ بالعقاب عدلاً منه، وكأني بكم تضحكون من تقرير هذه المقدمة، وما أحوجكم إلى تأمّلها بعين اليقين، فكابدت أيام تلك الولاية النكدة من النكاية باستحقاركم للقضايا الشرعية، وتهاونكم بالأمور الدينية، ما يعظم الله به الأجر، وذلك في جملة مسائل: منها مسألة ابن الزبير المقتول على الزندقة بعد تقضي موجباته على كره منكم! ومنها مسألة ابن أبي يعيش المثقف في السجن على آرائه المُضِلَّة التي كان منها دخوله على زوجه إثر تطليقه إيّاها بالثلاث، وزعمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره مشافهة بالاستمتاع بها، فحمَّلتم أحد ناسكم تَناوُلَ إخراجه من الثّقاف من غير مبالاة بأحد! ومنها أنّ أحد الفتيان المتعلقين بكم توجّهتْ عليه المطالبة بدم قتيل، وسيق المدَّعى عليه للذبح بغير سكين، فما وسعني بمقتضى الدِّين إلا حبسه على ما أحكمته السنّة، فأنفتم لذلك، وسجنتم الطالب وَليَّ الدَّم، وسرَّحتم الفتى المطلوب على الفور!.. إلى غير ذلك مما لا يَسع الوقت شرحه، ولا يَجمل بي ولا بكم ذكره.. والمسألة الأخرى أنتم توليتم كبرها حتى جرى فيها القَدَر بما جرى به من الانفصال، والحمد لله على كل حال، وأما الرمي بكذا وكذا مما لا علم لنا بسببه، ولا عذر لكم من الحق في التكلّم به، فشيء قلّما يقع مثله من البهتان ممن كان يرجو لقاء ربّه، وكلامكم في المدح والهجو، هو عندي من قَبيل اللغو، الذي نَمُرُّ به كراماً والحمد لله، فكثِّروا أو قَلِّلوا من أيّ نوع شئتم، أنتم وما ترضونه لنفسكم، وما فهت لكم بما فهت من الكلام، إلا على جهة الإعلام، لا على جهة الانفعال، لما صدر أو يصدر عنكم من الأقوال والأفعال، فمذهبي غير مذهبكم، وعندي ما ليس عندكم. وكذلك رأيتكم تكثرون في مخاطباتكم من لفظ الرُّقْيَة في معرض الإنكار لوجود نفعها، والرمي بالمنقصة والحمق لمستعملها، ولو كنتم قد نظرتم في شيء من كتب السنّة وسير الأمة المسلمة نظر مُصَدِّق لما وسعكم إنكار ما أنكرتم، وكَتْبِه بخط يدكم، فهو قادح كبير في عقيدة دينكم، فقد ثبت بالإجماع في سورة الفلق أنها خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه المراد بها هو وآحاد أمته، وفي أمهات الإسلام الخمس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا اشتكى رَقاه جبريل، فقال: بسم الله يُبْرِيك، ومِن كلِّ داء يشفيك، ومن شرّ حاسد إذا حسد، ومن شرّ كلّ ذي عين)، وفي (الصحيح) أيضاً: أنّ ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في سَفَر، فمروا بحيّ من أحياء العرب، فاستضافوهم، فلم يضيفوهم، فقالوا: هل فيكم راقٍ؟ فإن سيّد الحيّ لديغ، أو مصاب، فقال رجل من القوم: نعم، فأتاه فَرَقاه بفاتحة الكتاب، فبرئ الرجل، فأعطي قطيعاً من غنم.. الحديثَ الشهير، قال أهل العلم: فيه دليل على جواز أخذ الأجرة على الرُّقية والطب وتعليم القرآن، وهو قول مالك وأحمد الشافعي وأبي ثور وجماعة من السلف، وفيه جواز المقارضة، وإنْ كان ضد ذلك أحسن، وفي هذا القدر كفاية.
*** وقال من قصيدة أخرى:
*** وقال من أخرى:
وانظر تلك القصائد في (نَفْح الطيب) 5-169-180 |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |