كثيرا ما يتحدث البعض منا عن ورطة ما وقع فيها فشغلت باله وشلت أفكاره وقضت مضجعه وأقلقت منامه وأسهرت طرفه وجعلته يتضور أرقا بيد أنها إذا ما قيست بميزان الورطات نجدها لا تساوي شيئا، فالتاجر ورطته حينما يقع في فخ صفقة خاسرة لم يحسب حساباتها بدقة، والفتاة مثلا ورطتها حينما تزف إلى بيت زوج لم تره من قبل، ولم يكن لها رأي ولا يد في اختياره ولا تعرف عنه شيئا سوى أنها سيقت إلى مكان يحوي وحشة القبور وصمت الحجارة.
أما الشاب ورطته عندما يكتشف - بعد زواجه - أنه عندما تقدم للخطبة لم يكن يقصد هذه الفتاة بالذات بل كان يريد أختها الصغرى الأكثر جمالا ونضارة فيجد نفسه في ورطة حقيقية هل هو أخطأ في الاسم حينما طلبها أم أنهم بدلوها بغرض التخلص من تلك التحفة العتيقة؟ وبعض الناس ورطتهم حينما يذهبون إلى الطبيب ليطمئنوا على صحتهم فيقومون بإجراء بعض التحاليل الطبية التي تكشف لهم أمراضا خطيرة لم تكن في الحسبان بل كانت سرا تحت الجلد تحتفظ بنبئه الأيام لكن استعجال الفرد وسعيه للاطمئنان جلب له الورطة من حيث يدري ولا يدري، وهناك ورطات على خفيف، أي (ميني ورطة) مثل أن تتعرف على شخص فيعجبك منظره فتحترمه وتقدم له واجب التقدير والاهتمام ثم تكتشف بمرور الأيام أنه مجنون من الدرجة الأولى، يود الحديث معك حتى لو كان الزمان والمكان غير ملائمين لذلك فتجد نفسك أمام ورطة من الطراز الأول، أو مثلا أثناء تجوالك في السوق فيدفعك الفضول لتسأل عن ثمن سلعة معينة فيقال بكذا فتستكثر المبلغ فيقال لك بكم تريدها فترد بمبلغ بخس على أمل إنهاء المبايعة والانصراف لكنك تفاجأ بأن البائع قد أعد كيسا ووضع فيه السلعة وقال لك (هات المبلغ) ووقتها تجد نفسك أمام ورطة على مقاسك فتبحث عن الخلاص ولا تجد له سبيلا.
ومن أطرف الورطات أن أحدهم شعر بوجود لص في أرجاء المنزل منتصف الليل يحاول أن يسرق بعض المتاع فأسرع نحوه، وكان الليل مظلما فأمسك به ونادى أصحابه: لقد قبضت على اللص. قالوا له: أحضره، فكان السارق من النوع العاتي القوي المتين فرد عليهم: إنه رفض الانصياع والمجيء معي. فقالوا له: إذا اتركه لحال سبيله. فرد عليهم: تركته لكنه رفض أن يتركني. أي أن اللص أمسك بصاحب المنزل ورفض أن يتركه فكان صاحبنا في ورطة حقيقية. أو كالذي وجد نفسه فجأة يسير على أرض رجل مجنون شهير يحمل سلاحه دائما ويمنع الناس من عبور أرضه وهي بور ليس بها زرع ولا ماء، فكان الرجل يسير على أرض هذا المجنون ويسأل الله ألا يراه صاحب الأرض حتى يعبر حدوده بسلام ولسوء حظه ظهر له المجنون فجأة وبيده السلاح و بادره بقوله: علي الطلاق إذا تقدمت خطوة أقتلك وإذا تأخرت خطوة أقتلك (يا دي الورطة!!) فكان أن تدخل بعض العقلاء وجاؤوا بجمل وحملوا الرجل على ظهره رأسيا دون أن يتقدم خطوة أو يتأخر وقبل المجنون بهذا الحل الذي يحفظ ماء الوجه وهو في كل الأحوال أفضل من الحلول الوهمية التي نرتضيها لقضايانا المصيرية لفرط جنوننا حتى لو كانت تساوي صفرا على الشمال.
من أشهر الورطات التي يعانيها البعض بشدة هذه الأيام، الاشتراك في بعض القنوات أو الجهات التي ترسل أخبارا عاجلة على الهاتف النقال عبر الرسائل القصيرة والتي أشيع في بادئ الأمر أنها مجانا وبمرور الأيام اتضح أنها تسحب من أرصدة الهواتف بشكل مخيف حتى أن البعض ممن يستخدمون بطاقات الدفع المسبق يعانون من كثرة شحن هواتفهم ونفاد الرصيد دون أن يجروا اتصالات معتبرة، فحاول الكثيرون منهم إلغاء الخدمة بعد أن اتصلوا بتلك الجهات وأخذوا خطوات الإلغاء لكن الخدمة ظلت عالقة ورفضت أن تلغى فأصبحوا في ورطة عجيبة لم يستطيعوا حتى كتابة هذا المقال التخلص منها.
أما ورطة العمر التي تنتظر كل من يمشي على ظهر البسيطة ولا نعمل لها حسابا هي تلك الورطة الكبيرة التي لا مفر منها مهما كانت الظروف، وهي الكلمة التي يجدها كل من يتفرج على أحداث الحياة مندمجا في تفاصيلها وفجأة يجد كلمة (النهاية) على شاشة العمر ويرى أمامه ملك الموت فيجد نفسه في ورطة لا تدانيها كل الورطات، ليس الموت في حد ذاته بل شدته وألمه وأوجاعه وأناته وكيفية خروج الروح وانتزاعها من بين أنسجة الجسم وفراقها للجسد ليفترق أعز حبيبين لأول مرة منذ خلق الإنسان حتى لحظة وفاته.. وللموت وجع وألم وشدة لو ينجو منها أحد لنجا منها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعتقد أنها الورطة الحقيقية والكبرى والتي تهون بجانبها كل ورطة؛ لأن الموت ينتظر كل منا في منعطف خاص وهو المخرج الوحيد لكل الناس (بدون استثناء) من هذه الدنيا حيث لا مخرج سواه ولا طريق دونه ولا شك أن ورطته هي ورطة العمر، فلندخر لها ما يهونها ويذللها ويخففها وليتذكرها المرء دائما حتى تهون عليه بقية الورطات.
|