Sunday 4th June,200612382العددالأحد 8 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"منوعـات"

نوافذ نوافذ
لعبة شعبية
أميمة الخميس

اعتادت الفئات النخبوية من طبقة الإنتلجنسيا أن تنظر لكرة القدم بشيء من الفوقية والاستخفاف على اعتبارها لعبة شعبية تعتمد على الجري واللهاث خلف الكرة من قبل مجموعة من اللاعبين لفترة تزيد على الساعتين، بينما هناك جمهور محتشد تصطك به المقاعد يهلل ويصيح لهم بشكل صاخب وغوغائي.
وعلى الرغم من الشعبية الكبيرة التي تمتلكها كرة القدم في العالم بين جميع الأعمار والطبقات إلا أن المحلل الرياضي الذي يخرج على فضائية مثلا قد لا يعامل بالكثير من التبجيل بالشكل الذي يعامل به المحلل السياسي مثلا.
ولعل هذا مرده إلى اختفاء أو حجب الفلسفة التي تختبئ خلف الرياضة عموما وانحصارها في مفهوم اللهو والمتعة الشعبية.
بينما تاريخيا نجد أن جذور الرياضة البدنية ككل تتجذر عميقا وصولا إلى الحضارات العريقة البائدة، فمن خلال الحروب الدائمة في زمن الحضارة الإغريقية بين مملكتي أثينا وإسبرطة نجد هناك اهتماما متفوقا بالجسد وصحته ومتانته والعمل على تأهيله لمواجهة الأهوال وخوض الحروب.
النزعة الغرائزية نحو القتال والفوز والاستحواذ، سما بها فلاسفة الحضارة اليونانية لتسمو وتصبح تحت السيطرة داخل نفس القانون العسكري الأبدي: الأفراد من أجل الكل، حيث تتحول طاقاتهم الدموية المتفجرة باتجاه ألعاب تستعرض المهارات والذكاء والحذاقة والكر والفر وفنون التربص والقتال، وترضي نزعة التفوق والغلب لدى المجموع، ولكنها في الوقت نفسه تحترم إنسانية البشر وتصونهم عن الهلاك داخل مطحنة الحروب الدامية.
ومن هناك انطلقت شعلة الأولمب والاحتفاء الكبير بالرياضة كالشكل المثالي السامي لتمجيد القوة، ولكن وفق ضوابط وشروط إنسانية، وظلت هذه النزعة تخبو وتشتعل عبر القرون إلى زمننا هذا الذي نجد فيه هذا الهوس الجماعي والشعبي بكرة القدم.
فحينما يلعب فريق أو منتخب وطني لدولة ما هو لا يلعب وحيدا بل تلعب أمة بكاملها تقف مترقبة لأفراد يعكسون مدى تطورها الحضاري وذكاء شبابها وتأهيلهم وقدرات مدربيها وزهوها القومي واعتدادها بقدرات التأهيل للأنشطة الشبابية في تلك الدولة.
عندما يلتقي فريقان من دولة في كرة القدم فكل العنفوان الوطني يلتقي من خلالهما وكل الآمال والأحلام الشعبية المغيبة والتي تعاني من الخذلان والإحباط تندرج باتجاه الملعب، تتقافز وراء الكرة وخلف أجساد اللاعبين، في ضربة (الكورنر أو البلنتي) نضع جميع شحنات الغضب والتحفز والنقمة ونحاول أن نستحضر جميع وجوه الحياة المتجهمة لنقتص منها هناك، هناك تتصعد تلك الغريزة الكامنة في الفوز في الرغبة بالقمم النائية البعيدة، بتلك الحمى الشعبية التي تجتاح المدينة بالترقب والتوجس، كرة القدم ليست مجرد لعبة شعبية تتراكلها الأقدام بين التهليل والصفير، إنها غرائز بدائية سمت وتطورت واستبدلت السيوف والحراب والفؤوس بين الشعوب، بكرة مطاطية رشيقة مذهلة وساحرة للملايين.
أنا لا أشاهد كرة القدم، ولكن من الممكن أن تستحوذني نشوة فوز المنتخب عندما أراها تسري في عروق المدينة.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved