Sunday 4th June,200612382العددالأحد 8 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الاقتصادية"

أفق أفق
المتعلقون في سوق الأسهم
سلطان بن محمد المالك(*)

بتاريخ 23 شوال 1425ه كتبت مقالاً عن سوق الأسهم وعنونته ب(استثماراتنا إلى أين؟)، وأشرتُ فيه إلى الخلل الواضح لدينا من خلال تدافع العديد من شرائح المجتمع نحو الاستثمار في سوق الأسهم وما ترتب على ذلك من جوانب سلبية على الاستثمار في المجالات الأخرى، وفي ذلك المقال شبهتُ ما يحدث في سوق الأسهم بالحفلة التي بدأت قبل مدة ولها نهاية ولكن لا يُعرف متى تنتهي، والخوف كل الخوف من نتائج نهاية تلك الحفلة.
وبالفعل هذا ما حصل الآن في سوق الأسهم حيث انتهت الحفلة بفوز عدد قليل من الرابحين ممن استطاعوا الخروج من السوق قبل انهياره وخلفت العديد من الخاسرين وهم مَنْ أسميتهم في هذا المقال ب(المتعلقين في سوق الأسهم).
أعودُ اليوم للكتابة مما حذرتُ منه سابقاً ليس من باب الشماتة والاستهزاء - والعياذ بالله - ولكن من مبدأ أخذ العبرة والحيطة والحذر في المستقبل، وأستعرضُ قصصاً حقيقيةً لأشخاص متورطين في السوق وهم يمثلون فئة بسيطة من فئات المجتمع وأطلقتُ عليهم (المتعلقين في سوق الأسهم).
وللإحاطة فالألقاب التي استخدمتُها ليست حقيقية بينما القصص حقيقية، وسأسردُ قصة كل واحد بشكل مختصر:
*****
أبو عبد الرحمن، رجل كبير في السن متقاعد من عمله، نجح سابقاً في الاستثمار في العقار، أغرته سوق الأسهم للدخول بها ونتيجة لإلحاح بعض أصحابه وأبنائه، قرر الدخول للسوق رغبةً منه في مضاعفة رأسماله المستثمر في العقار ولتأمين مستقبل أولاده... باع عقاراته وأجل مشاريعه في بناء مساكن لأولاده ودخل في السوق بمبلغ كبير مجازفاً كغيره!!! أبو عبدالرحمن الآن يمني نفسه أن يخرج من السوق ولو بنصف رأسماله، ولكن للأسف لا يستطيع لأنه أصبح من (المتعلقين في سوق الأسهم)!!!
*****
أبو فهد، طبيب محترف، مخلص لمهنته، يذهب لعمله صباحاً وفي بعض الأيام يذهب مساءً لعيادته الخاصة لممارسة مهنته، الدخل الذي يحققه ممتاز، سمع الكثير عن سوق الأسهم من مرضاه وزملائه، أقنعه أحد زملائه بأن أمنيته بتملك منزل خاص لن تتحقق له إلا من خلال الاستثمار في الأسهم حيث العائد المالي السريع، أقنعه صاحبه بسهولة الأمر وأنه على استعداد لمساعدته من خلال الاستثمار معه مباشرة بوضع مبلغ مالي في محفظة استثمارية لا تتطلب منه متابعة السوق فصاحبه سيقوم بذلك نيابةً عنه وبإمكانه هو أن يستمر في متابعة مرضاه، أبو فهد أعطى صاحبه (تحويشة) عمره لاستثمارها في الأسهم وتحقيق حلمه، بعد فترة أخبره صاحبه أن الأمور لم تسير حسب ما خطط له وعرف بعدها أنه أصبح من (المتعلقين في سوق الأسهم)!!!!
*****
أبو خلدون، موظف طموح، عملي، مكافح، خلال سنوات جمع مبلغاً من المال وأخذ قرضاً من البنك مكنه من شراء منزل صغير لأسرته، أغرته الأسهم كثيراً، رغب الدخول في السوق وبسبب عدم توفر المال اضطر لأن يرهن بيته ويدخل السوق لمساعدته في سداد أقساط القرض البنكي ولتحقيق مكاسب في المستقبل، أبو خلدون الآن يرغب الخروج من السوق وأن يفك رهن بيته ويسدد قرض البنك لكنه لا يستطيع لأنه أصبح من (المتعلقين في سوق الأسهم)!!!!
*****
أم بندر، معلمة نشيطة، تتمتع بعلاقات اجتماعية حميمة مع زميلاتها داخل وخارج المدرسة، تربطها علاقة مع إحدى موظفات البنك، أقنعتها بأن تدخل سوق الأسهم وأن تجمع المال من زميلاتها، أقنعت أم بندر عدداً من زميلاتها المعلمات لإعطائها المال والاستثمار نيابةً عنهن، دخلت السوق بمالها ومال زميلاتها، نجحت في البداية، زاد عدد المستثمرات من الزميلات، ولكن بعد فترة وجدت نفسها من (المتعلقين بسوق الأسهم) وزميلاتها يطالبنها باسترجاع أموالهن!!!
*****
أبو صويلح، موظف بسيط على قد حاله، حلمه أن يتملك أرضاً ليبني عليها منزلاً له ولأسرته، استغل إحدى الفرص العقارية واشترى أرضاً بالتقسيط تسدد من راتبه خلال مدة أربع سنوات، بعد أن تملك الأرض قال لنفسه: لماذا لا أستثمرُ قيمتها في الأسهم لأضاعفها وأتملك بيتاً بعد فترة قصيرة؟، ذهب للبنك وطلب تسهيلات تعادل مبلغ الأرض، رحب البنك في ذلك ومنحوه مراده، دخل السوق والآن هو من (المتعلقين في سوق الأسهم)، أبو صويلح الآن يعض أصابعه من الندم فلا أرض لديه ولا مال والبنك حصل على ما يخصه ويطالبه الآن بسداد المبلغ المتبقي
*****
أبو علي، صاحب معرض سيارات يحقق مكاسب ممتازة من بيع وشراء السيارات، مرتاح في مهنته ويحمد الله ويشكره على كل ما يحققه، لاحظ انخفاضاً في مبيعاته وقلة الزبائن عن المعتاد، سأل عن السبب وأخبره زملاؤه أن الناس كلها في سوق الأسهم، وأن الكسب السريع الآن ليس في بيع السيارات بل في الاستثمار في سوق الأسهم، قرر المجازفة والدخول بدون أي سابق معرفة مستعيناً ببعض الزملاء محدودي الخبرة في السوق، دخل السوق وهو الآن يغني على ليلاه ويقول (يا زينك يا معرضي) سياراتي قدامي أشوفها كل يوم، والآن يتمنى أن يعيد ماله وسياراته، لكنه لا يستطيع لأنه أصبح من (المتعلقين في سوق الأسهم)!!!
*****
القصص والمآسي كثيرة وأختمها بقصة أبو عبدالله وهو شخص متعلم اقتصادي ومتخصص في مجال المال والأعمال، غير مقتنع أبداً فيما حصل في سوق الأسهم لأنه يرى أنها تخالف كل ما تعلمه من نظريات اقتصادية ومالية، رأيه أن الارتفاع في السوق غير طبيعي لذلك ظل بعيداً عن السوق، ودائماً ما كان ينصح الآخرين بأخذ الحيطة والحذر من المجازفة بالدخول بالسوق خصوصاً مَنْ لا يملك المال الكافي، لذلك لم يدخل السوق طوال الفترة التي حقق خلالها السوق ارتفاعات خيالية. في أحد الأيام، سأل نفسه: لماذا أشاهد الآخرين يكسبون ويحققون أرباحاً وأنا متمسك برأيي؟ لماذا لا أجربُ وأدخل مع الآخرين؟ قرر الدخول ولكن توقيته كان متأخراً، حيث دخل في آخر يوم ارتفاع للسوق ولكن بحذر شديد وبمبلغ ليس كبيراً، حظه كان سيئاً، حيث انهار السوق يوم دخوله، الآن هو من (المتعلقين في سوق الأسهم) ولسان حاله يقول ليتني تمسكت برأيي وقناعاتي ولم أدخل للسوق!!! لا يريد الخروج الآن لأنه خسر أكثر من 70% من المبلغ الذي دخل به!!!
*****
وبعد، ما سبق استعراضه من قصص حقيقية تمثل جزءاً بسيطاً لقصص كثيرة تحكي واقع وحال كثير من فئات المجتمع التي استثمرت أموالها في سوق الأسهم وتتمنى أن تتهيأ لها الفرصة المناسبة للخروج ولو بجزء من رأس المال... تلك القصص تؤكد أننا مجتمع يتخذ قراراته بعاطفية وليس بعقلانية خصوصاً في مجال الاستثمار في سوق الأسهم.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي دفع هؤلاء وغيرهم للاندفاع والمجازفة في الدخول في السوق؟ هل هي الرغبة في تحقيق الثراء السريع، أم قلة الوعي، أم التأثر بسماع الرأي والمشورة من أشخاص غير مؤهلين، أم هي إغراءات البنوك وشركات التقسيط بمنح تسهيلات على شكل قروض شخصية؟؟... شخصياً أعتقد أن كل ما سبق صحيح إلا أن هناك مسببات كثيرة أخرى ليس المجال لذكرها هنا.
السؤال المهم الآن: ماذا لو عادت الأسعار إلى وضعها السابق أو قريباً منه، هل سيخرج هؤلاء (المتعلقون في السوق) من السوق؟ أم أن الرغبة لديهم في تحقيق الأحلام والآمال الوردية ما زالت قائمة!!!. حقيقة لا أملك إجابة على ذلك،!!! وحيث إننا في هذه الأيام نرى بعض بوادر تحسن في مؤشرات السوق بعد التدخل المباشر لحكومتنا الرشيدة في اتخاذ العديد من الإجراءات والقرارات الناجعة في سبيل تحسين وضع السوق، فإنني أسأل الله أن يفك كربة كل من دخل السوق ولم يستطعْ الخروج منه وأن يعوضهم العوض الحسن إنه سميع مجيب.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved