المشي بين أضرحة بنيان، وجنائز جدران، لا يبعث في النفس خوفاً أو وجلاً، وإنما يرسل للأعماق حزناً، وتأسُّفاً على رحيل أرواح، أو فناء أجساد، أو بقايا ذكريات.
كنت أجول بين أضرحة وجنائز حَرْمة القديمة، وكنت مع الأساتذة أحمد التركي، وعبد العزيز السليمان، وعبد العزيز الشنيفي، والأستاذ أحمد يكبرنا سنًا وقدْراً، إذ كانت بين أزقة حَرْمة ذكرياته وأحلامه، بات شيخنا التركي، يحكي لنا الماضي وبساطة المعيشة وسذاجة الأحلام، وآهاته مع أنفاسه نسمعها، ونتأملها، وهي تعانق ذكرياته، فتسري إلى أسماعنا بحرارة ولظى.
أطلال حَرْمة، تُنبئ عن حياة رغيدة بالحب لأن الأُلفة بين القلوب دانية، وعن حياة غنية بالإيثار والتسامح، لأن بيوتهم كأنها جسد ضُم بعضه على بعض ليتقي البرد أو الألم، هكذا رأيت حَرْمة (القديمة) جسداً كانت، ومرتعاً للذكريات صارت.
لسان حالها وهي تصرخ أهلها الأوائل: أيا مَنْ كانوا بين حجري وحضني، في بيتي وتحت ظلال نخيلي، في مسجدي ومدرستي، قد كنتم تملؤونني انشراحاً وبِشراً، وعِلماً وحبوراً.
أنتم أفراخ أمٍ حضنتكم بحنانها، وأطلقتكم إلى الدنيا بعطفها، فلا تجوروا بي ولا تبخلوا عليَّ ولو بذكرى.
***
وعند رحيلنا رأيت أطلال حَرْمة الثكلى، تنزف الدمع وتنفث الآهات من حرقة الوداع، ومرارة الفراق.
|