Sunday 4th June,200612382العددالأحد 8 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

شيء من شيء من
قاضيان في بيان الـ 61
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

بيان الـ 61 التحريضي الذي أصدره بعضٌ من طلبة العلم الشرعي، يحمل الكثير من المؤشرات.. فالبيان يدعو فيه موقعوه إلى (التخلص) مما سماهم البيان (العصابة)، واتهمهم بالخيانة العظمى، والعلاقة بدوائر خارجية، ووصفهم علناً بالنفاق.
البعض وجد أن هذا البيان يتناغمُ تناغماً كاملاً مع الخطاب (التحريضي) الذي أصدره ابن لادن قبل أيام، وقد ركزوا على فحوى وتوقيت خطاب ابن لادن، ثم قارنوه بتاريخ البيان وفحواه، واعتبروا أن الخطابين من حيث التوقيت والفحوى متناغمان.. وفي تقديري أن الأمر لا يمكن أن نأخذه بهذا البعد، فكل ما هنالك أن من وقعوا البيان، دفعتهم (سذاجتهم)، وعدم قدرتهم على قراءة الواقع قراءة (حصيفة)، إلى هذا التوقيت، دون أن يعوا أنه قد يُفسر بهذه التفسيرات الخطيرة، فقد عودنا كثير من أصحاب هذه البيانات على ألا نذهب بهم وبمطالبهم في تواقيتها وفحواها ولغتها بعيداً، الأمر الذي يُسوِّغ (بصراحة)، وكي لا نحمِّل الأمور ما لا تحتمل، (حسن الظن) بهم لهذه الأسباب.
ومهما يكن الأمر، فليس غريباً أن يوقع 61 فقط من مجموع الملايين السعوديين على بيان متطرف، وغير مسؤول، وبهذه اللغة الحادة، كهذا البيان، ففي كل الأرض هناك متطرفون، ولسنا وحدنا المبتلين بهذه الفئة المتطرفة من البشر.
أما النقطة التي أريد أن أُنبِّه إليها هنا أن اثنين من الموقعين على البيان (قاضيان) هما: عبدالله بن ناصر السليمان القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض، والآخر محمد بن سليمان المسعود القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة، وما زالا - حسب البيان - يضطلعان بمهامهما حتى الآن.
ومن المعروف للجميع أن القاضي في (دولة الشريعة) لا تنعقد له ولاية أو بلغة اليوم (صلاحية)، لممارسة مهامه القضائية إلا بتعيين ولي الأمر: هو الذي يعينه، وهو الذي يُحدد مجال اختصاصه، وهو الذي يعزله كما هو معروف.. انضمام هذين القاضيين، بصفتيهما (الوظيفية) إلى ركب الموقعين على هذا البيان السياسي، يُؤشر إلى المدى الذي وصل إليه الوضع من الخطورة في مؤسساتنا القضائية، حتى أصبح (القاضي) الذي وضع (ولي الأمر) ثقته فيه والذي يُفترض - من حيث المبدأ - أن يكون محايداً وينأى بنفسه وبصفته العملية في المجتمع عن مثل هذه (التخبطات) و (التحزبات)، والتكتلات السياسية، عضواً في تكتل!.
هذه السابقة الخطيرة، التي أرجو أن تكون الأولى والأخيرة، لا يمكن التعامل معها إلا من خلال احتمالين لا ثالث لهما: إما أن هذين القاضيين لا يعلمان بمحتوى ما وقعا عليه، فوقعا عن (غفلة) في هذا (المطب)، أو أنهما يعلمان بالمآلات الخطيرة التي تكتنف انضمامهما إلى هذا التكتل السياسي مع أنهما قاضيان، يمثلان (ولي الأمر) في النظر في الخصومات بين الناس، ورغماً عن ذلك وقعا عن سابق إصرار وتعمد ووعي كامل.
وأياً كان الاحتمال، فليس ثمة إلا القول المتداول: (إذا كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم)!
ومن المعروف، حتى في الحكومات التي تفصل بين السلطات الثلاث، أن الأصل في القضاء هو الاستقلال والحياد التام، إذ لا يجيز القانون هناك، فضلاً عما يسمونه مواثيق (شرف المهنة)، أن ينضم القاضي إلى أي تكتل سياسي طالما أنه على رأس العمل، أو ما يوحي بأن له صفة سياسية.. ولا أحتاج إلى دليل لإثبات أن البيان أو التحذير (موقف سياسي) متحيز ضد فئة أخرى، وبالذات حين يصفون (خصومهم) السياسيين، ممن يعملون في الحكومة بأنهم (عصابة)، وأن هذه العصابة: (عين وأذن وأداة لذلك العدو الخارجي مستندة إلى تأييده ومنفذة لأهدافه) كما جاء فيه بالحرف! والسؤال: إذا لم تكن هذه العبارة (تخوينية)، وباعثها سياسي محض، فماذا عساها أن تكون؟
ومن أخطر المخاطر على الشعوب أن يتم (تسييس) القضاة، وإقحامهم في السياسة ومماحكاتها.. لذلك يجب أن تُعنى الجهات المسؤولة، وعلى رأسها وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى بنشر ثقافة (حيادية القضاء) بين القضاة والعمل (إجرائياً) وبحزم ودون أي تراخٍ على كبح مثل هذه الممارسات غير المسؤولة، وأن تعيرها من الاهتمام ما يوازي أهمية (المبادئ) التي تنطلق من نزاهة القضاء واستقلاله. مثل هذا المبدأ، أعني (حيادية القضاء)، يجب أن يكون نصب عيني القاضي دائماً وأبداً سواء في حياته الوظيفية أو حتى في أنشطته الاجتماعية، ومتى ما (استهتر) القاضي بهذه الثوابت، التي يجب أن يتبعها بصرامة، فقل على القضاء السلام.
ومرة أخرى، ولكي نحافظ على شخصية القاضي، وهيبة القضاء، من أن تجرفه مثل هذه (التحزبات) السياسية، يجب ألا نقبل إطلاقاً، ومهما كان المبرر أو الذريعة، أي تصرف من شأنه أن يوحي بعدم (نزاهة) القاضي وحياديته.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved