لا يشك عاقل في أن ما حدث ويحدث من وجود لبعض شبابنا في معسكرات وسجون الولايات المتحدة في خليج غونتنامو في كوبا هو مأساة بكل ما تعنيه الكلمة فهي فاجعة كبيرة لهم في أشخاصهم ولأسرهم ولمجتمعهم ولوطنهم.
شباب صغار دفع بهم حب الخير وحب الأمة والتضحية دون تبصر لأن يقعوا فريسة لعدو أخذهم إلى غياهب السجون بدون محاكمات وبدون أبسط حقوق السجين والأسير في الحرب. إن ما يحصل لهؤلاء الشباب هو بالفعل كارثة للجميع، والسؤال الكبير: لماذا حدث هذا؟ من المسؤول عن ذهاب عدد من صغار السن لتلك البلاد الغريبة؟ كيف ومن سمح لهم بالذهاب؟ هناك العديد والعديد من علامات الاستفهام تدور في صدري ولا أجد لها جواباً. لا أدري من أحمل المسؤولية لأنها مسؤولية كبيرة وكارثية. ولكن دعونا نبدأ من أول حلقات السلسلة لتفهم هذا الوضع المأساوي.
شاب في بداية المراهقة، يلتزم بالدين وهذا جميل ونبل ولكن الحكمة تقول أن يجلس في وطنه.. وطننا هو قبله الإسلام والمسلمين ولا تخلو قرية أو هجرة صغيرة فضلاً عن مدينة أو محافظة من العلماء الثقاة الدعاة العارفين بالدين. والمفروض أن يطلب من هذا الشاب أن يجلس معهم للعلم وللتفقه في الدين. المأساة حدثت عندما التزم هؤلاء الشباب بالدين غرر بهم للسفر لأفغانستان لأي غرض كان للجهاد أو التدريس أو الإغاثة مهما كانت النية، فأرى أنه كان خطأ جسيماً أن يترك شاب في بداية المراهقة للسفر وحيداً لبلاد غريبة، بلاد في حالة حرب مع أعدائها ومع جيرانها ومع أهلها. لا أجد مبرراً واحداً يسمح لأسرة أن تترك ولدها يسافر هناك مهما كان السبب ومهما كانت النتائج. العلم والفقه موجودان في بلدنا ولله الحمد. والإغاثة لها أهلها ووطننا يعتبر الداعم الأول للجهود الإغاثية في العالم. وعندما يسافر شاب مراهق إلى دول فيها حروب طاحنة لا أرى أي إغاثة يقوم بها الشاب الصغير وسط المتفجرات والقنابل والأشلاء.
الأسرة هي الملاذ والحصن الأول للشاب لمنعه من السفر لأي مكان كان. للأسف وجد في قاعدة غونتنامو شباب أعمارهم أقل من 15 سنة، فمتى سافر هؤلاء لأفغانستان وكيف بأسرة ابنها عمره 12 أو 13 سنة تدعه يسافر إلى هناك. وماذا يعرف هذا الصغير عن الإغاثة وغيرها.
إذن أنا أحمل الأسرة جزءاً من المسؤولية هذا طبعاً إذا كانت الأسرة تعلم في سفر ابنها ولكن للأسف الكثير من الأسر تفاجأ باتصال من أحد الدول يقول لها إن ابنها سافر لتلكم الدول والمجتمعات الغريبة. كذلك الأسرة ينبغي أن لا تفكر في سفر ابنها فقط ولكن ما بعد السفر ما الحال. على الأسرة رعاية أبنائها ومنعهم من الاختلاط برفقاء السوء مهما كانت توجيهاتهم. وقبل أن تأذن وتسمح لابنها بالسفر وقبل أن يخرج له جواز سفر عليها طلب الفتوى الشرعية من علمائنا الأفاضل، لا أن تطلب من أناس لهم أهواء أو غير معروفين علماً وشرعاً. والدولة أعزها الله لها مؤسساتها للفتوى، ويجب على الأسرة أن تسأل الفتوى وأن تسمع وتطيع، لا أن تستسلم لضغوط الشاب الراغب في السفر وإن أصر الشاب على السفر فعلى الأسرة هنا طلب تدخل الجهات الرسمية والأمنية لمنعه من السفر. والأسرة لها وسائل عدة مباشرة وغير مباشرة لمنع الشاب من السفر.
والجزء الآخر تتحمله مؤسسات المجتمع المختلفة. للأسف عدد قليل من مساجدنا حتى عهد قريب تخطب الجمعة بأسلوب حماسي بدون أن تعرف تأثير هذا على الصغار. والخطيب في خطبة الجمعة يخاطب كل شرائح المجتمع فعليه الاعتدال وليس الاعتداء، الوسطية وليس التطرف والحكمة وليس التهييج للمشاعر. أتمنى من إخواني وأحبائي خطباء الجمعة والوعاظ في المساجد التعامل بحكمة مع مصائب المسلمين وعدم شحن هؤلاء الفتية للذهاب ليكونوا وقوداً للحرب هناك، أتمنى أن يخضع هؤلاء لمحاضرات في علم الاجتماع والنفس والإعلام الجماهيري، هذا طبعاً بعد علم الدين والشريعة لإيصال الرسالة واضحة سهلة بعيدة عن الأسلوب الحماسي وبعيدة عن الاجتهادات الشخصية نهائياً. لا ينكر عاقل أننا مجتمع متدين فاضل ولله الحمد والمنة، ولكن يجب أن لا تستغل هذه الخصلة لإثارة الشباب للقتال والحروب، بل أن تستغل في العبادة الصحيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب العلم الشرعي من أهله ورواده. على أئمة المساجد ربط الناس خاصة صغار السن بولاة الأمر في القضايا الكبرى وأنه قبل أن يفكر الشخص في الأمور الكبرى مثل الاشتراك في الحروب أو الإغاثة الخارجية عليه طلب الإذن من ولي الأمر حيث إنه يعرف أكثر بالمصلحة من صاحبها، فالواحد منا ينظر لمصلحته، ولكن ولي الأمر ينظر للمصالح العليا للأمة والوطن، ويعرف المحاذير من أي تصرفات طائشة قد تفسد الوطن وأهله وتكون معول هدم بدلاً من يد بناء وتنمية. أتمنى ربط الشاب بالواقع وأن هذا الشاب جزء صغير من هذا العالم وأن العالم اليوم محكوم بقوى كبرى وأن عمله وحياته الصحيحة تبدأ من طلب العلم في وطنه وخدمة وطنه والنفع العام لمجتمعه، وعليهم ربط الجمهور خاصة صغار السن بأسرهم ومجتمعاتهم وعدم الهروب من الواقع للخيال.
مدارسنا ما زالت وللأسف يوجد فيها عدد قليل من المعلمين ممن يفرغون شحنات عاطفية عن الجهاد في أماكن بعيدة للصغار ويدفعونهم للسفر والهجرة لتلك الأماكن البعيدة، ولو طلب من خطيب الجمعة أو معلم المدرسة أن يذهب بنفسه أو أن يرسل أولاده لرفض، ولكن لا مانع من أن يدفع صغار السن من أهل وطنه للسفر هناك، أيضاً على المعلمين والمعلمات عدم جلد الذات وتكبير الأخطاء وتصيدها وتضخيمها ودفع الشباب الصغار للهرب عن أوطانهم، فالمعلم والمعلمة رسالتهم واضحة نقية ويجب أن تستمر كذلك وأساسها خدمة الدين ثم الوطن. ويجب على الأخصائي الاجتماعي (إن وجد... مع مطالبتي بضرورة وجوده في المدرسة) ملاحظة الشباب الذين يرغبون أو لهم تطلعات في السفر للحروب للجلوس معهم وطلب مقابلة أسرهم، ولا أرى مانعاً من طلب مساعدة الجهات الأمنية، يجب أن نهتم بمدارسنا فيجب أن لا يمكن من التدريس من يثبت أن لديه فكرا متطرفا، بل يجب أن يحول عمله لإداري هنا أو هناك.
كثير من مواقع الإنترنت والفضائيات تدفع الصغار أيضاً لتلك النهاية المأساوية، ويجب علينا كمجتمع التصرف بحكمة في مثل هذه الحالات، مثلاً يجب أن نسمع رأي هيئة كبار العلماء في السفر إلى هناك وأن نسمع فتاوى صريحة واضحة تطلب من الناس وبكل وضوح وشفافية أنه يجب قبل أن تذهب لمناطق القتال موافقة ولي الأمر، ولا يشك مسلم عاقل أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام وأنه مطلب شرعي، ولكن يبقى إذن ولي الأمر مطلبا شرعيا، لأن هذا من القضايا الكبرى التي لا تصلح بدون إذنه. والسياسة الشرعية لها أهلها ويجب أن لا يترك الاجتهاد لأي شخص وإنما يقاد الجميع من قبل ولي الأمر، وهنا دور للعلماء لبيان الأحكام الشرعية في الجهاد، جهاد الطلب وجهاد الدفع وأن تبين هذه الأمور للناس خاصة الشباب بشفافية متناهية. نحن في دولة أنظمة ودستور ومؤسسات ويجب أن تترك وتهمل وتبعد الاجتهادات الشخصية، فعندما ينهى ولي الأمر عن السفر لتلك المناطق يجب علينا جميعاً الامتثال بالسمع والطاعة. وعلينا جميعاً عدم دفع هؤلاء الصغار للموت والهلاك نحن بلا شك تحت قيادة راشدة أعرف منا بالحق وبالمصالح ويجب طاعتها إذا أمرت بعدم الذهاب.
لا يشك مسلم عاقل أن العالم الإسلامي تعرض ومازال يتعرض للعديد من الفتن من فلسطين لأفغانستان للشيشان للبوسنة للعراق والمستقبل يحمل الكثير والشاب المراهق مهما كانت عزيمته وقوته لا يستطيع أن يغير العالم وهو يذهب فريسة وضحية سهلة لأطماع دول كبرى تلعب ألعاباً سياسية.
لوسائل الإعلام دور مهم في صياغة عقول الصغار وشرح ما يحصل من نكبات في العالم وكيف يتعامل معها الشباب بحكمة. على وسائل الإعلام دور مهم في بيان حرمة السفر لأي بلد فيها قتال وحروب بدون إذن ولي الأمر والأسرة.. ومازال إعلامنا لا يتعامل مع مشكلات الشباب بالشكل المطلوب، فالإعلام في وادي والشاب في وادٍ آخر ويجب النزول للشباب وإيجاد البرامج الإعلامية الشبابية التي تخدم هذه الشريحة المهمة من أبناء الوطن.
كذلك على الجهات الأمنية داخلية وخارجية منع الشباب من السفر لمناطق القتال والحروب والفتن، هنا أتمنى فعلاً الشفافية في التعامل مع الأحداث السياسية الراهنة في العالم الإسلامي.. من الأحسن أن نعلم أولادنا أننا وببساطة لا نستطيع حل مشاكل العالم، لماذا لم نحل مشكلة فلسطين حتى اليوم وغيرها كثير؟... إذن يجب الاعتراف أن المشكلات الكبرى لا تحل بحلول صغرى فردية وباجتهادات شخصية بعيدة عن الواقع الفعلي. هذا الواقع باجتهادات البعض الشخصية هو ما أوقع أكثر من 100 شاب سعودي لأن يصبحوا سجناء في قاعدة غونتنامو الأمريكية. للأسف الشديد كما ذكر يجب أن نتعامل بشفافية أكثر مجتمعنا مازال يتعامل مع قضايا الغير بالعنف ويحل مشاكله بالعنف.
وكمتخصص في العنف والجريمة والإجرام أرى أنه يجب علينا جميعاً تعلم الهدوء والحكمة.
ففي العراق مثلاً هناك بعض الشباب الذين يذهبون إلى هناك مع أن أهل العراق أنفسهم يطالبون كل يوم بعدم حضور أي شخص، ومع أن الشاب يذهب إلى هناك وهو لا يدري من يقاتل ولا مع من، من هو الصديق ومن هو العدو وللأسف يستخدم الشاب السعودي هناك في عمليات التفجير الانتحارية ليموت ببساطة متناهية لأنه ذهب إلى هناك للموت وهنا ثقافة تدعو للعنف؛ لذا يجب أن نتعلم ثقافة الحوار حتى مع الأعداء وأننا لا نستطيع حل مشكلات العالم بفردية وباجتهادات شخصية.
موضوع آخر، أتمنى زيادة فرص العمل للشباب، فمتى ما كان للشاب عمل صعب معه أن يتركه وأن يقطع مصدر رزقه، وقلة الدخل أو انعدامه تدفع بالشباب إلى حالة من اليأس وتسهل عليه عمل أي شيء في حياته فقط ليثبت لنفسه أنه نافع وأنه قام بعمل شيء يفيد نفسه أو أمته، إذن العمل مطلوب خاصة إذا عرفنا أننا في هذا الوطن الكريم نحتضن ملايين البشر من خارج الوطن وهم يأخذون لقمة العيش من هذا الشاب الذي عندما لا يجد عملاً فإنه لا مانع لديه من السفر خارج الوطن أحياناً لمناطق الحروب والقتال.
أتمنى زيادة المشاركة الشعبية للشباب في الأندية والمراكز الصيفية ومجالس الأحياء والجمعيات الخيرية والأعمال التطوعية، ومن الأهمية بمكان للشاب في مراحل المراهقة إثبات الذات خاصة أمام الأقران، وإن لم يكن هذا بطرق مشروعة كما ذكرت سلفاً، فسوف يثبتها بطرق غير مشروعة بالقتال والحروب وأحياناً الجريمة والعنف والإرهاب.
ويجب أن ننمي روح الوطنية والبذل والتضحية للوطن لدى شبابنا، وأشعر بالحزن حين أرى عاملاً قادماً من بلاد فقيرة مثل بنغلادش أو الهند أو باكستان أو نيبال أو غيرها يرسم علم بلاده على ناقلته ويكتب اسم وطنه ويكتب عبارات مثل (أحب وطني)، ورسولنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم قال عن مكة: والله لأنت أحب البقاع إلى نفسي، ومع هذا فالكثير يعتبر حب الوطن من المنكرات والكبائر، لأننا تعلمنا على نمط أممي هدفه الأمة كلها وأهملنا الجانب الوطني، ونحن اليوم للأسف ندفع الثمن بهؤلاء الشباب في سجون غونتنامو وفي الإرهاب والفئة الضالة التي ترغب تدمير هذا الوطن الكريم ومقدراته وخيراته، ويجب أن يكون لنا توازن في الفكر يقوده قادة وعلماء ومفكرو الأمة والوطن.
وعلينا جميعاً كمجتمع الاهتمام بالإنترنت والاتصالات التي يقوم بها الشاب خاصة في مقاهي الإنترنت، وفي المنزل مهمة الأسرة واضحة للرقابة، ويجب أن يكون للجهات الأمنية رقابة على مقاهي الإنترنت، مثلاً على صاحب المقهى أخذ هوية كل من يدخل المقهى للرجوع لهم في أي وقت، كذلك أن يكون لصاحب المحل شاشة مركزية يستطيع من خلالها مراقبة الشاشات في محله.
وأتمنى فرض التعليم الإجباري على الجميع حتى الثانوية، كلما قل التعليم سهل التأثير على الشاب لعمل أي شيء مثل السفر لأماكن الحرب أو حتى الدخول في منظمات إرهابية أو ضالة وذلك لعدم وجود بدائل بسبب قلة التعليم.
كذلك أتمنى نشر ثقافة المرح والسرور في المجتمع، فمجتمعنا للأسف تنتشر فيه ثقافة الحزن وبعمق، هنا يجب تفعيل النوادي والمجالس في الأحياء والمدارس لعمل برامج للشباب بعد المدرسة، برامج تهدف لنشر روح المرح والفرح بين الشباب وقضاء الوقت بطرق جيدة. وأتمنى فتح باب التدريب في المدارس بعد العصر دورات في الحاسب واللغات وصيانة الأجهزة والسيارات والكهرباء وغيرها كثير تقدم مجاناً للشباب للقضاء على وقت الفراغ. إذا نحن لم نستغل وقت الفراغ بالمفيد فأخشى أننا قد ندفع الثمن عندما يستغل وقت الفراغ في مشاريع قاتلة، خطيرة.
ورجوعاً لأسر السجناء في غونتنامو فآمل منهم التنسيق فيما بينهم مع وزارة الداخلية، فالذي أعرفه أن مقام وزارة الداخلية لها جهود في هذا المجال ولها اتصالاتها مع الجهات الأمريكية، كذلك وزارة الخارجية لها دور بارز في هذا المجال في رفع قضايا في المحاكم الفيدرالية الأمريكية للمطالبة بإطلاق سراح هؤلاء الشباب، كذلك أتمنى من الأسر عند الكتابة لابنهم المحتجز هناك أن ينصحوه بالصبر والاستفادة من وقته هناك بشيء مفيد لمستقبله، إن شاء الله، مثل حفظ القرآن الكريم والعلم النافع، كذلك أن يعرف الشاب أن هذا هو قدره ويجب عليه الإيمان بالقضاء والقدر والرضا بما كتبه الله عليه حتى تنتهي المشكلة إن شاء الله. المهم الذي آمله أن تنسق هذه الأسر جهودها مع الجهات الرسمية في المملكة، والقيادة لم تألُ جهداً في المطالبات المستمرة للإدارة الأمريكية بإطلاق سراح هؤلاء الشباب، كذلك ينسق مع الجهات الرسمية في المملكة في أن ترفع قضايا في المحاكم الفيدرالية الأمريكية لأن بقاء شخص معتقل لهذه المدة الطويلة دون محاكمة أو حتى توجيه تهمة مناف للقانون الدولي وحتى للدستور الأمريكي نفسه، أسأل الله تعالى أن يحفظ هذا الوطن الكريم بقيادته الراشدة تحت قيادة الوالد خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة، وأن يعين أسر هؤلاء السجناء والسجناء أنفسهم في الصبر حتى يتم إطلاق سراحهم، وأن نتعلم الدروس كمجتمع أن الاجتهادات الشخصية لا تفيد كثيراً وأن هناك مرجعيات للمواطنين وهم ولاة الأمر والعلماء الثقاة للرجوع إليهم.
والحمد لله أولاً وآخراً ..
|