التوقيع على الخرائط النهائية لترسيم الحدود السعودية اليمنية في غاية الأهمية من حيث تعزيز الاستقرار في البلدين وكذلك على المستويين الإقليمي والدولي؛ فالحدود غير الواضحة بين أي بلدين قد تكون فتيل نزاع يشتعل بين فترة وأخرى، وقد يمتد إلى حرب شاملة إذا وصل أطراف النزاع إلى طريق مسدود، ورأوا أن فرض الحدود بالقوة هو الحل الأمضى والأسرع.
وفي الحالة السعودية اليمنية سارت الأمور بطريقة دبلوماسية رائعة توجت بمعاهدة جدة التاريخية التي وُقعت عام 2000م، وصارت نموذجاً يحتذى به في حل الخلافات الحدودية، ودرساً من دروس الدبلوماسية الدولية. ولهذا رحبت بها دول العالم المختلفة، وأشادت بها المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة.
هذا الترسيم الحدودي الذي وقعته المملكة واليمن إبان زيارة سمو ولي العهد الأمير سلطان لليمن الشقيق، والقائم على أسس من التعاون الأخوي والتفاهم المتبادل ينم عن الوعي السياسي العميق الذي تمتلكه القيادتان السعودية واليمنية؛ فالسياسة الواعية هي التي تبحث عن الحلول السلمية للخلافات الدولية، ولا تنزع إلى الحلول العسكرية لأن الحرب عندما تقوم لا يمكن التنبؤ بنهاياتها، ولا بالأضرار الناجمة عنها.
والمملكة ولأنها تعتمد الدبلوماسية الهادئة والرصينة في تعاملها مع الآخرين حظيت باحترام العالم، وأصبحت كلمتها مسموعة. بل وعدَّها المجتمع الدولي وسيطاً نزيهاً لحل خلافات الآخرين. وهذه السمعة الحسنة لا تأتي بين ليلة وضحاها، وإنما عبر دلائل تاريخية أثبتتها الأحداث التي تمر بالمملكة، ومنها العلاقات السعودية واليمنية وحل المسألة الحدودية بينهما.
والمملكة بعلاقاتها الحسنة مع دول العالم، وبخاصة جيرانها كاليمن الشقيق، تستطيع أن تتفرغ لنواحي التنمية المختلفة، والعمل على تطوير اقتصادها، وتنويعه، بما يخدم شعبها. ولو لم تكن المملكة متبعة لسياسة هادئة وسلمية غير استسلامية وغير مفرطة بالحقوق الوطنية، لدخلت في نزاعات عدة في هذا المجتمع الدولي الذي يعج بالمصالح المتصارعة، ولكانت حصة التسلح من ميزانيتها هي الحصة الأكبر، وهو ما يأتي بكل تأكيد على حساب القطاعات التعليمية والصحية وغيرها من الخدمات.
بل إن المملكة لم تتفرغ لتنمية مجتمعها فحسب، وإنما ساهمت وما تزال في إنجاح التنمية في البلاد العربية والإسلامية الأخرى. لأن المملكة تنطلق في سياساتها من مبادئ إسلامية تحث على التعاون وبذل العطاء من غير منة أو أذى. ولا عجب في دولة تؤمن بهذه المبادئ أن تنجح في تعزيز علاقاتها الدولية، وعلاقاتها بجيرانها.
|