|
انت في |
مَنْ يتتبَّع مآخذ النقاد على الشعراء يجد فيها من الطرافة، والإمتاع ما يمكن أن يكون سبباً في إراحة قلبه، وإضحاك ثغره، مع ما في ذلك من فوائد متعدِّدة، في اللغة، والأسلوب، والبلاغة وغيرها.
قال خلف: ويلَ جرير! وما ينفعه يومٌ خيرُه يَؤُول إلى شرّ؟ قال الأصمعي، فقلت لخلف: لقد قرأت البيت بهذه الصورة على الناقد أبي عمرو بن العلاء، قال خلف: صَدَقْتَ، وهكذا قال جرير بيته، وكان جريرٌ قليلَ التنقيح لشعره وكانت ألفاظُه مشرَّدة. قال الأصمعي: فكيف كان يجب أن يقول جرير؟
لأن المعنى هنا أنَّ الخير في ذلك اليوم حال دون الشرِّ، وأما بوضع كلمة (قبل) فإن المعنى يكون على ما يلي: إنَّ الشرَّ في هذا اليوم سيأتي بعد الخير، وهذا ما لم يُرِدْه جرير، ومالا يتحقق معه المدح لذلك اليوم. ومن طرائف عثرات شعر جرير قوله:
وقد سُئل رجل من حنيفة: من أيِّ الأثلاث أنت؟ فضحك قائلاً: من الثلث الذي لم يذكره الشاعر، فهو قال (أثلاث) ولم يذكر إلاَّ ثلثين، وأقول: لقد أفسد هذا التثليث جمال البيت بصورة لا تخفى على المتذوِّق. ومن طرائف ذلك ما روى المرزباني في كتابه (الموشّح) من أنَّ امرأةً لقيت الشاعر كُثيِّر عزَّة فقالت: هل أنت القائل:
قال كثيِّر متباهياً: نعم، أنا قائل ذلك، قالت: فَضَّ اللهُ فاك، فما أحسنت في وصفها، أرأيت لو أنَّ ميمونة الزنجيَّة بُخِّرَتْ بالمَنْدل، أَمَا كانت تطيب رائحتُها؟! ألا قلتَ كما قال سيِّدك في الشعر امرؤ القيس:
فخجل كثيِّرُ من كلامها، وعرف موقع خطئه. أما الجَثْجَاث والعَرار فهما نباتان صحراويان طيِّبا الرائحة، وأما المَنْدل فهو (العود) الهندي. ومن طرائف ذلك ما رواه الأصمعي بقوله: أنشدتُ هارون الرشيد أبياتاً للنابغة الجعديّ، فلما بلغْتُ قوله:
قال الرشيد: وَيْلَه، لماذا لم يَرُحْ في المجد كما غَدا فيه؟ لقد أخطأ الشاعر، ألا قال: إذا راح للمعروف أصبح غاديا فهذا مناسب للمدح، قال الأصمعي: فقلت: أنت يا أمير المؤمنين في هذا أعلم بالشعر. وهكذا تظلُّ ملاحقة النقاد للشعراء مصدراً من مصادر طرافة الأدب وإمتاعه. إشارة:
www.awfaz.com |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |