** لست خبيراً اجتماعياً.. ولا طبيباً نفسياً.. ولكن من خلال رصد ما يحصل في المجتمع.. أكاد أجزم.. أن علاقتك بأبنائك.. هي التي تحدد توجهاتهم.
** هناك أب قريب من أبنائه.. يتفقدهم ويتابعهم ويلاحظ أمورهم ويحرص عليهم.. ويعرف كل خطواتهم على مدار الساعة دون رقابة مزعجة.. ودون تدخل مباشر في أمورهم.. ودون أن يشعروا.. بأن هذا الأمر مزعج.. أو ربما يشعرون.. أن الأب لا يثق فيهم.. أو أنه يمارس رقابة لصيقة خطيرة وهيمنة شديدة عليهم..
** وهناك أب مهمل مستهتر لا يعرف عن أولاده أي شيء.. ولا يريد أن يعرف أولاده ضائعين أو يبحثون عن الضياع..
** لا يسأل عنهم .. ولا يدري.. أين يذهبون.. ولا إلى أين يتجهون وماذا يعملون؟
** يغيب ابنه المراهق يوماً أو يومين.. أو طوال ساعات النهار والليل.. دون أن يدري.. أين هو.. ودون أن يسأله.. أين ذهب.. وماذا يعمل ومع مَنْ ؟!
** فالأول.. يعرف كل خطوات أولاده.. ويعرف دقائق الأمور.. حتى إذا حصل من أحدهم خطأ أو تجاوز أو شطحة.. أو حصل من أحدهم تصرف أو سلوك غير مقبول.. ناقشه معه بهدوء.. وبين له خطأ هذا التصرف أو هذا العمل.. في حوار هادئ.. وجعل لابنه فرصة الحوار والنقاش والرد وتبيان وجهة نظره.. حتى يترك هذا العمل بقناعة تامة ورضا.. ودون أن يفكر في العودة مرة أخرى.
** أو.. إذا شاهد ابنه يتصرف تصرفاً خاطئاً.. كالتكاسل عن الصلاة أو محاولة ترك بعض الفرائض أو شرب الدخان أو مصاحبة بعض الأشخاص السيئين.. حاول معالجة هذا الخلل بهدوء.. وبطريقة عقلانية بسيطة دون أن يشعر الابن.. أنه محل تقريع أو تسفيه أو تحقير.. أو أنه.. ارتكب محظوراً سيصبح وصمةَ عارٍ في سجله إلى الأبد.. أو أنها ستصبح نقطة سوداء في سجله.. بل على الأب.. أن يشعره.. أن هذا الأمر.. انتهى.. وإن كلنا.. ذلك الإنسان الذي يخطئ ولكن.. علينا.. أن نقلع عن الخطأ بسرعة.. ونصمم على التوبة منه.. وعدم العودة له مرة أخرى.
** وهناك أب.. عنيف شرس شديد الغضب.. يتطاير الشرر من عينيه..
** أولاده.. يرتعدون منه.. وليته يعاقب بشراسة عند أمور تستحق العقاب.. بل يعاقب بعنف عند توافه الأمور.. مثل كسر أيٍّ مِنْ مستلزمات المنزل.. أو ضياع ممتلكات للصغير أو الشاب.. أو تمزق الثوب أو الشنطة.. أو أي من هذه التوافه.. ولكنه لا يستخدم هذا التصرف فيما لو اكتشف في ابنه سلوكاً مشيناً.. أو تصرفاً غير مقبول.. أو ربما ضربه ضرباً يحتاج معه إلى علاج وتنويم.. مما يجعله يهرب من البيت.. أو يعتبر ما حصل من أبيه.. مجرد عنف ولا علاقة له بما حصل منه من تصرف خاطئ.
** فالأب.. الذي يتصرف مع ابنه بهدوء وحكمة.. والأب الذي يتابع ابنه ويعايشه كصديق.. يصنع ابناً ملتزماً مستقيماً خلوقاً.. وعضواً نافعاً في المجتمع..
** هذا الابن.. تجده دوماً مع أبنائه.. قريباً منهم.. يعرف كل شيء عنهم.. يشعرون أنه صديق يفضون له بكل شيء ويناقشونه في كل شيء..
** تجدهم سعداء داخل البيت.. لا هموم ولا مشاكل ولا اضطرابات ولا خناقات ولا صراخ.. كل مشكلة تحل في وقتها دون تأخير.. تحل بهدوء وبطريقة عقلانية.
** أما الأبناء الذين أهملهم والدهم وضيَّعهم وضيَّع كل أمورهم.. فهم بالتأكيد.. ضائعون يسرحون ويمرحون من كل مكان دون أن يسألهم أحد.. أين هم؟
** يذهبون إلى أي مكان يريدون.. ويعملون ما يريدون.. ويجلسون مع مَنْ يريدون.. فماذا تنتظر من هؤلاء؟ وماذا نتوقع منهم؟ وكيف سيكون مستقبلهم؟
** وهناك أب يشتري (دشاً) لمنزله.. فيه كل المحطات ال (500) أو ال (800) أو الألف.. ويعطيهم المفاتيح كلها.. ويجعله في وسط أبنائه وبناته.. يشاهدون ما يشاؤون وسط أمواج من المضامين الفاسدة المدمرة.. تبثها هذه المحطات.. تسمم أفكار وأخلاق هؤلاء الصغار.. وتصوغهم بمنظار لا يقبله حتى غير المسلم على أبنائه.
** إن المشكلة الحقيقية لضياع الأمور.. تكمن أولاً.. في الآباء ثم الأمهات..
** فالأب.. بوسعه أن يضع ابنه سوياً مستقيماً ملتزماً.. وبوسعه.. أن يضيعه.. ويصنعه إنساناً آخر.
|