* مكة المكرمة - عمار الجبيري:
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد المسلمين بتقوى الله - عز وجل - في السرّ والعلن والعمل على امتثال أوامره واجتناب نواهيه، داعياً إلى التسامح عند المقدرة وتجنب الغضب والإفراط فيه.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام أمس إن الاختلاف بين الناس سنة من سنن الله - عز وجل - فكما اختلفوا في ألسنتهم وألوانهم اختلفوا في أفكارهم وآرائهم وقناعاتهم، واقترن ذلك باختلافهم أحوالهم جميعاً، مشيراً فضيلته إلى أن سبيل العيش بينهم والإصلاح هو التسامح والعفو والرفق والفضل والإحسان، مؤكداً فضيلته أنه كلما سلمت النفوس من إذعانها وتحررت من تعصبها كانت أقدر على النجاح في بناء العلاقات الطيبة.
وبيّن الشيخ الدكتور ابن حميد أن دفع العدوان بالإحسان ومقابلة الإساءة بالحلم من المبادئ الكبرى التي تؤكد المشاعر الجميلة في النفوس المشرقة فهي أخلاق عالية وصبر وتحمل وتجمل ينقلب معه العدو إلى صديق حميم، ويحول بين الأمة وبين الاجترار والاقتتال فيما بينها والتعصب والعنف في سلوكها وتعاملاتها.
وأوضح فضيلته أن الأمة تعيش أجواء من الاكتئاب بين ظلم العدو وجفاء الصديق وتلمس طرق الإصلاح واستعادة الحقوق والتئام الصفوف، مؤكداً أن التسامح خصلة كريمة وصفة حميدة توهب لأصحاب القلوب الكبيرة مما أفاض الله عليهم من رحمته طاقات على الصبر على المكاره وتحمل الأذى والقدرة على مقابلة السيئة بالحسنة.
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد أن التسامح قوة وليس ضعفاً، ونبل وكرم في التعامل ورؤية وردية في الأحداث والمواقف، والتسامح تقدير لعقول المخاطبين واحترام لآرائهم وحفظ لمكانتهم وتنبيه إلى ما يمتلئ به العالم من ثراء فكري، وهو علامة على وضع الأمور في نصابها والأهداف في مسارها، كما أنه مجاهدة للنفس المندفعة بالتعصب في أقوالها وأفعالها وآرائها.
وأضاف فضيلته قائلاً: ليعلم كل محب للخير ومتطلع لعلو الهمة ومترق في مدارج الفضل والكمال أن التسامح أقوى من الانتقام وأشد من الخصام، ووقع التسامح أشدّ وأثقل على نفس المخالف من الانتقام وهو أنبل من التعصب، والتسامح تناسي السيئات، والانتقام تناسي الحسنات، والتسامح لا يسلب الحقوق، والانتقام لا يمنح الحقوق، والتسامح منبعه الخير وبابه الفضل وطريقه الإحسان، والانتقام مدخل السوء ومسلك الشيطان وباب النفس الأمارة بالسوء، والتسامح هو القبول العادل والقدرة على العيش مع القريب والبعيد والعدو والصديق والمخالف والموافق، كما أنه اعتراف جميل بالمساواة والعدل والاحترام بين الناس واعتراف بالتعدد والتنوع وحق الاختلاف بالرأي.
وبين فضيلته أن هذه هي حقيقة التسامح وطبيعته وخصائصه، ومن أجل هذا جاءت تعاليم ديننا لترسي قواعد التسامح ومبادئه في مسالك الإنسان ومعاملاته وعلاقاته كلها، في العقائد والأحكام والأخلاق والتوجيهات والتعليمات، مؤكداً فضيلته أن هذه المبادئ قدمت على حق الإنسان في المجازاة والعدل، وأخذ الحق المشروع، بل إن نصوص الشرع حين وازنت بين العلاقات رغبت في الإيثار والعفو والفضل، وحينما حفظت الحقوق حثت على الرحمة، وحينما شرعت القصاص حثت على العفو، وحينما أمرت بالعدل قدمت عليه الإحسان.
|