ليس من المنطقي أن نؤمل في قطاع المقاولات ونجعله في دائرة الحلم بالمشاركة الفاعلة في خلق الوظائف دون النظر إلى ظروف القطاع والصعوبات والعقبات التي تعترضه... مجرد زيارة إلى إحدى الدوائر الحكومية تدرك خلالها حجم الماساة التي تعيشها تلك المباني كنماذج لمنتجات هذا القطاع وكأصول ثابتة تمثل رأسمال وطني!!... سمعت قبل فترة من أحد الأصدقاء أن مبنى ديوان المراقبة العامة على شارع الجامعة القديم تتم إزالته لعدم سلامة إنشائه من الناحية الهندسية على الرغم من أن عمره لا يتجاوز 20 سنة بينما تعيش المباني في الدول الأخرى أكثر من 100 سنة!! تشعر حقاً بالأسى حين تزور بعض الدوائر فتأسف لحال مبانيها وصيانتها فتتساءل عن الأسباب!!
لا بد من النظر وبجدية في الأسباب التي تجعل المباني على هذه الحال التي تدعو للرثاء... ولعل أوضح الأسباب وأبرزها للعيان هو أسلوب ترسية المشاريع الحكومية والإصرار على حسمها بالعطاء الأقل سعراً!! فقصة الحسم تبدأ في لجنة فحص العروض أو العطاءات (اللجنة العليا) برئاسة الوزير وعضوية وكيل الوزارة والمديرين العامين للإدارات المالية والفنية والإدارية إضافة إلى الممثل المالي (مندوب وزارة المالية) حيث تنظر اللجنة في جميع القرارات والتوصيات من اللجان المختلفة لتوصي بالترسية على أفضل العطاءات... والمسئول عن تعريف وتحديد تلك الأفضلية هو الممثل المالي الذي يضيف في نهاية المحضر تحفظاً بسيطاً مختصراً جداً وهو التوصية بالترسية على أقل العطاءات سعراً لتحصر الأفضلية بحدود السعر !!
لن أتحدث عن الأسلوب الأمثل لترسية المشاريع في دول ما وراء البحار ولا حتى في الدول المجاورة لكني سأذكر ما تقوم به شركة أرامكو كتجربة إدارية محلية ناجحة حيث يتفق معها جميع المهتمين بشئون القطاع وهو اعتماد مظروفين يقدمان من كل مقاول في المنافسة الأول فني والثاني مالي، فيبدأ استعراض العروض الفنية مع استبعاد كل المظاريف غير المكتملة أو المطابقة للمواصفات ثم تستعرض بعد ذلك العروض المالية مع مراعاة السعر المحدد مسبقاً وفق رؤية موضوعية واستبعاد ما يزيد عليه نقصاً وزيادةً بنسبة 5% حيث لا يُنظر لها مطلقاً... هذا الأسلوب سيضمن مستوى من الكفاءة والجودة يحافظ على سلامة المباني الحكومية كأصول وطنية ثابتة فلاتكون تحت رحمة ذمم المنفذين!!
| 
"الاقتصادية"