«علي بن أبي طالب كرم الله وجهه»
من الحكمة أن يحاول أحدنا دراسة حدود النفس البشرية وما يحيط بها من إيجابي أو سلبي مستعيناً بمصادر تهدئ خطوه وتحميه من الشطط أو الزلل.
لنقترب من هذه الحدود وهذا ما هو ممكن بالمزيد من احترام جهدنا وما نحن بصدد دراسته، واكتشاف ما يحيط بها من ألغاز صعبة، وهكذا هي النفس البشرية؛ مليئة ذاكرتها بما لا قبل لنا على فهمه.. متاح لنا التعرف على حدود النفس، وتلك الفواصل بينها وبين الأشياء مادية كانت أو تنبض بروح الحياة، تلك الفواصل التي بإدراكها ندرك أين نقف ولماذا؟
ومن خلال ذلك التفاعل الاجتماعي وما ينطوي عليه من تفاوت يقترب أو يبتعد أحياناً وفق موقع الفرد من الجماعة - وعلى سبيل المثال: المسؤول الذي بيده مصالح الكثير من أفراد مجتمعه أو مواطنيه - هل يتفاعل بروح المسؤولية ووعي الواجب؟
- هل يتقبل أن تقول له لقد أخطأت؟
- أو يصر على سماع كلمة يحبها ويطرب لتكرارها بلا ملل - أحسنت، وأجدت - ؟ لنجد أننا قد تورطنا في دائرة النفاق وخداع النفس، وعلى هامش مقال الأستاذ خالد المالك في مقاله يوم السبت 27 - 5 - 2006م بعنوان (نريد مسؤولاً يعترف بالخطأ) ومن خلال قناعتي بموضوعية ما جاء به المقال، وإن كنت لا أظن أن لي تعقيباً بقدر ما لدي من محاولة دفع وتفعيل لحالة السؤال.
والإجابة هنا عامة شمولية التوجه والقصد - فالنفس البشرية ليس سهلاً أن نفهمها؛ حيث يتطلب الأمر أن نحيط بما حُجب عنا من غيب في الكون لسعته وتاريخه، ومن ثم ذاكرة هذه النفس منذ أن خُلق وحتى يومنا هذا، ولاستحالة مثل هذا نركز على الممكن، وأقصد أن بالإمكان التعرف على حدود النفس، ويعلم الجميع أن الإحاطة بالحدود لمكان ما لا يعني معرفة مكونات هذا المكان أو محتواه.
وإنما بمعرفة تلك الحدود؛ نعرف العلاقة بين هذه النفس وما عداها من الأشياء والأحياء، ثم ما هي الضوابط التي تسهل مثل هذه المهمة؟
الإنسان وطبعه؛ سواء كان مصدر هذا الطبع عقله حيث مراكز عدة لمكونات النفس، أو بعضاً من أعضاء جسمه التي لها هرمونات ووظيفة نفسية تحدد أمراً ندرك نتائجه، ولكن لا نرى التفاصيل من الجوانب لهذه النفس.
وطبع الكثير منا أن يحتد حينما نخاطب أخطاءه، ومتى توارت حكمته وموضوعية تفكيره فهو رافض أن نشير إلى نقاط ضعفه؛ حيث مطلب التفوق نفسياً يزيد من حجمه ويكبر به، وبالنقص يتضاءل ويصغر به، وحريص هو أن يكون متفوقاً، وهذا الحرص حاجز بينه وبين الرأي الآخر ووجهة النظر الخيّرة صالح ما فيها ينعكس عطاءً على مواطنيه.
والرجل يكره تفوق غيره ويحبه لنفسه، وإن فقد هذا التفوق أو التكامل النفسي وتوازنه احتد مزاجه في كل حوار، وأخذ به حس الكراهية للغير مأخذ لا يرضى معه إلا أن يرى ويتأكد أن النقص والضعف وجود متمكن في الآخر فيكبر بهذا الاعتقاد ومن ثم يرضى.
الحل صعب تصوره فضلاً عن اقتراحه، ولكن في منهاجنا العظيم؛ كما أبان الحق عز وجل.. إن الإنسان حوافزه من ثلاث مكونات:
1- نفس آمرة بالسوء.
2- ونفس مطمئنة.
3- والنفس اللوامة.
ومن توفر له توازن هذه المكونات تصالح مع نفسه وفهم قدره وإمكانه، وإن هو سلم بأن فهمه وحكمته لدى غيره يعود عليه بزخم وصدى حكيم وفهم ورؤية، وبالذات أن يحس أن ثقته بنفسه في حالة من النفي قبل الإثبات؛ حيث لا غطرسة ولا غرور ولا ترفع.
ثم إن هذا اليقين يشير إلى أنه لا يستطيع فهم نفسه كما يأمل فيعذر غيره من جانب، ويستفيد من جانب آخر، وهذه النفس معرفة حدودها الأمر المتاح، وهذا طبع نجده لدى من هو موضوعي يحيط بمسؤوليته، ويدرك إبعاد كل قرار يصدر عنه ويتفهم وجهة نظر الآخرين، وما يقدمونه من آراء تعينه أن يعرف خطأه ليعترف به ولو مع نفسه.
وبعد هذا أجدني أؤكد على ما جاء في مقال الأستاذ خالد المالك، وأرى أن هذا المطلب يأخذ بنا نحو رقي وتطور يُشكل أحد مصادر استقرار أي مجتمع.
وأخيراً لقد قال الشيخ الرئيس ابن سينا عن النفس البشرية:
هَبَطتْ إليكَ من المحل الأرفع ورقاءَ ذاتَ تعزز وتمنع |
|