الزيارة - أو الجولة - التي قام بها سمو المدير العام لرعاية الشباب الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز للمنطقة الشرقية نوع من العمل الميداني.. وقد تشرفت بصحبة سموه في هذه الجولة.. وعرفت في أيام قليلة ما لم أعرفه في سنين عشتها في العمل الصحفي الرياضي عن نوادي وفرق المنطقة الحبيبة الشرقية.. كما عرفت عن سموه في تلك الأيام ما لم أعرفه في سنين طويلة أيضاً.. كأنما التنبؤات القديمة بدأت تبرز بشكل كبير منذ أن دخل سموه ميدان العمل الحكومي.
وقد سررت جداً بالطاقة التي يتمتع بها سموه في الميدان العملي أو العمل الميداني - سمِّه ما شئت - للبقاء وقتاً طويلاً يناقش ويحاول ويضع الحلول.. ويبين بأسلوبه المعهود الموسوم بالرزانة واللباقة أهداف هذه الجولة وواجباتها للمسؤولين في المنطقة.. وحتى على صعيد تعدى حدود الرياضة والرياضيين إلى الحياة أجمع بشتى مشاربها ونواحيها. وقد فاتني حضور زيارته لنادي الصفا بصفوى.. هذا النادي الذي ضرب أروع الأمثال في الجدية والحزم.. وأصر على البقاء في الأذهان والقلوب بإقامته المنشآت الرياضية بشكل ينم عن ذوق وإدراك خدمة للمجتمع والبيئة.. وكان سبب ذلك تأخري في السفر.
ولكن أخذت نصيبي من زيارات متعددة.. منها زيارة نوادي النهضة والاتفاق والقادسية.. وبعد ذلك ملاعب رعاية الشباب ثم نوادي الخليج بسيهات والبدر بالقطيف والثور بسنابس والجزيرة بدارين وبعدها هجر والفتح بالأحساء والمبرز.. وقد رأيت ظاهرة جميلة ومحبوبة.. وهي شعور الأهالي هناك على مختلف الأعمار بقيمة النادي وتجاوبهم معه.. وقد برز ذلك بصورة أكبر في نادي الجزيرة.. حيث كان في استقبالنا الآباء أكثر من الأبناء، حيث استقبلنا بالألعاب الشعبية والعرضات بالسيوف، وحيث ألقى شيخ في الستين قصيدة عصماء.
إن شعور البيئة بالنادي يعني تأثير هذا النادي في تلك البيئة، وهو تطبيق حقيقي لواجبات النادي نحو تلك البيئة أو ذاك المجتمع، وقد أثبتت الأندية الريفية فعاليتها كواجهات للخدمة الاجتماعية في البيئة، وهذا ما نرغبه جميعاً.. بجانب البناء الجسماني للفرد.. والبناء الخلقي والتوجيه السليم لأفكاره.. ورغباته من أجل حياة معتدلة سعيدة.
وقد خرجت من هذه الجولة بانطباعات عديدة سواء من الناحية الاجتماعية أو التفكيرية.. أو العزم والحزم في الأفراد والمؤسسات الرياضية.. وقد شدَّني كثيراً الرغبة الشديدة لدى تلك المؤسسات الرياضية في أن تقف على قدميها ولو أدى ذلك إلى بذل كل نفيس.. ولا شك أن وجود الشيء من لا شيء في حياتنا نحن السعوديين يعني أن هناك روحاً جيدة بدأت تخرج في عالمنا ومحيطنا.. وهي تتمثل في خطوات رعاية الشباب بإملائها اللاتلقائي على تلك الأندية الريفية أن تكون شيئاً محسوساً.. فأصبح لها مقرات.. وتكون أعضاؤها.. وبدؤوا ممارسة أعمال الخدمة.. وصارعوا من أجل التنافس الشريف في مجال الرياضة وحرصوا على أن يبرزوا بالشكل والمظهر اللائقين.
والآن دعونا نلج إلى خطوات الأمير فيصل في جولته تلك.. وقبل ذلك كله أحب أن أقول: إن الناس تتحدث كثيراً عن هذا الرجل.. تتحدث عن ديناميكيته في العمل.. وعن ذكائه.. وعن لباقته في الحديث، وعن عدائه المستحكم للمشكلات التي تعترض الشباب.. وهذه الصفات أهلته كثيراً لأن يقف موقف الرجل الصلب العنيد أمام تأخر الرياضة وتعثر بعض الأندية.. وبلبلة بعض القرارات والأنظمة لطموح بعض المسؤولين في الأندية.
وفي رأيي الشخصي - ولعلكم معي - فإن هذه الجولة هي بداية العمل الحقيقي لفيصل بن فهد.. حيث إنه أتى إلى كرسي الرعاية على أبواب دورة الخليج لكرة القدم - فألقيت في حلقه - ورغم ذلك كله فقد جابه الواقع بعناده وصلابته.. وذلل الكثير من المشكلات التي واجهته في تلك الدورة، وخرج الناس بعد ذلك يتحدثون عن الجهود التي صنعتها تلك الدورة لنا جميعاً.. وعن الإنجازات التي تحققت لملعب الملز الكبير.. وعن روعة التنظيم.. وذهبت الفرق المشتركة تتحدث بإعجاب عن القفزة المحمودة في مجال الرياضة.. وتخطت جهود الرجل فيصل أعمدة صحفنا لصحف الأصدقاء والمحبين.. كل ذلك كان في فترة قصيرة جداً هي في الحقيقة نوع من التحدي الزمني.. والتجربة الزمنية له.
واليوم يبدأ العمل الحقيقي كمسؤول في رعاية الشباب.. وقد أدرك بثاقب نظره أن رعاية الشباب بمشكلاتها العديدة لن تكون رعاية، ولن يقف سيل المشكلات والشكاوى ما لم يقف هو بنفسه على كل مشكلة.. وفي كل منطقة، فقرر جولاته تلك التي ستعم إن شاء الله، ووقف بنفسه على دوافع تلك المشكلات.. وناقش مع أبناء الشرقية كثيراً من مشكلاتهم المهمة في جلسة بمبنى البلدية بالدمام استغرقت ثلاث ساعات بالتمام.
وقد استطاع الأمير الشاب أن يتغلغل في النفسيات.. وأن يتلألأ في الأفكار.. وذلك بإعطائه الفرص أكثر وأكثر لكل عضو في كل نادٍ أن يقول ويقول.. وقد وضع الصراحة مصباح نور أمام الجميع، وتحدث الجميع بكل صراحة.. فحلت كثير من المشكلات التي تحتاج إلى روتين مالي حالاً.. وسجلت بعض المشكلات التي تحتاج إلى نقاش مع جهات حكومية أخرى.. وانصب النقاش أكثر على ضرورة دعم كثير من القدرات التي بدأتها الأندية الريفية.. أكثر من الأندية الرياضية.. كإنشاء المقرات والملاعب.. وهذه الخطوات من الأندية الريفية - في نظري - تعادل جميع السنين للنادي الرياضي في مجال الخدمة والرياضة.. بمعنى أن النادي الريفي والرياضي على حد سواء في التاريخ الزمني للوجود.. إن الأندية الريفية تبذل من الجهود الكثير.. وهي تسابق الزمن في مجال الخدمة الرياضية.. ولا شك أننا نعتز بذلك، وكثير من الأندية الريفية بدأت تملك مقراتها وملاعبها، بينما الأندية الرياضية لا زالت تحت لعنة الإيجار.. رغم التفاوت في الواردات والدخل.
الزيارات
كانت أولى زيارات سموه لأندية الشاطئ.. مضر.. السلام.. الصفا.. بكل من القطيف والقديح والعوامية.. وصفوى.. وقد قوبل سموه بكل ترحاب، وأعجب سموه كثيراً بما شاهد من جهود مشكورة، وبخاصة لدى نادي الصفا بصفوى؛ أول ناد ريفي ضرب المثل في العصامية.
وفي يوم الأربعاء قام سموه بزيارة سمو أمير المنطقة الشرقية، ثم حضر حفل الشاي الذي أقامه رؤساء الأندية بالمنطقة في فندق الواحة تكريماً لسموه.. وقد ألقى سموه في هذا الحفل كلمة جامعة قوية استقطبت أذهان الحاضرين.. واحتوت على الأبعاد الحقيقية لرعاية الشباب وأهدافها.. وقال سموه في هذه الكلمة: (إن رعاية الشباب ليست رعاية لكرة القدم أو السلة أو الطائرة أو شيئاً من هذا.. ولكنها رعاية للمجتمع السليم في دينه وعقيدته.. وأخلاقه.. وطموحه.. وأمانيه.. وتفكيره.
وأشاد سموه بجهود المسؤولين في الأندية بالمنطقة.. وقال سموه: إن جولتي هذه كان من الواجب أن تسبق هذا الوقت.. وقد أحببت أن أقف بنفسي على مشكلات كل هذه المنطقة.. وقد أحسست من جولتي الأولى التي قمت بها لبعض الأندية أن العمل الميداني هو العمل الحقيقي لإراحة الضمير. وقد أثنى الكثيرون على لباقة سموه وحرصه على تحسس هذه المشكلات عن كثب.
ثم قام سموه بزيارة للأندية الرياضية.. وهي الاتفاق.. النهضة.. والقادسية، وقد استقبل سموه هناك بحرارة، وقام بتفقد نشاطات الأندية داخل المبنى.
وفي صباح الخميس 24-10-1992هـ قام سموه بزيارة مكتب رعاية الشباب، ثم قام بجولة في الملعب الكبير.. ووقف على سير العمل هناك.
وفي الساعة الثالثة إلا ربعاً حضر مباراة الخليج والنهضة بالخبر.. وفي السابعة مساء كان لقاء سموه مع رؤساء الأندية بالمنطقة بمبنى البلدية بالدمام؛ حيث ناقش سموه 20 مادة مكتوبة تحتوي على أغلب مشكلات المنطقة الرياضية.. وقد استغرق هذا الاجتماع ثلاث ساعات متوالية لم يتخللها أي راحة.
وفي يوم الجمعة كانت زيارة سموه لكل من نادي الخليج بسيهات والبدر بالقطيف والنور بسنابس والجزيرة بدارين، وقدر رحب بسموه أجمل ترحيب.. وقد شدنا كثيراً خروج أهل دارين جميعاً لملاقاتنا على أنغام العرضات الشعبية وعرضات البحر.. وسررت جداً لرؤية الآباء يتصدرون مجلس النادي ويشاركون في الاستقبال.. لقد استطاع نادي الجزيرة بدارين أن يخرج دارين بكاملها لملاقاتنا ليثبت أنه ناد ملتصق ببيئته.. متعاونة معه تماماً.
وفي صباح يوم السبت 26-10-1992هـ كنا على موعد مع طريق الأحساء؛ حيث هجر والفتح، وقد استقبل سموه هناك من قبل المسؤولين جميعاً وعلى رأسهم سمو أمير الأحساء.. وقام سموه بجولة على مشروع الري والصرف بعد الغداء.. وزار بعض الأماكن الأثرية.. وسرَّ سموه وصحبه بهذا المشروع، وقد اتهموني جميعاً بأن هذا المشروع لم يعطَ حقه من الدعاية والإعلام.. وقد استمرت هذه الجولة من الرابعة عصراً حتى الخامسة والنصف، ثم توجه سموه إلى مأدبة العشاء في قصر الإمارة، ثم قام بزيارة لنادي هجر، حيث كان انطباع سموه كاملاً عن نشاط هذا النادي واكتماله من ناحية المظهر والتنسيق والنظافة، وسرَّ كثيراً لما شاهد من روح متوثبة متعاونة.
وقام بعد ذلك سموه بزيارة نادي الفتح بالمبرز.. واستقبل سموه هناك بحرارة، وقام بجولة داخل غرف النادي.. ووقف على نشاطاته.. وشاهد مناورة في الطائرة، ثم ودع سموه مستقبليه وغادر عائداً إلى الدمام. وفي مطار الظهران الدولي كان في وداع سموه صاحب السمو أمير المنطقة الشرقية الأمير عبد المحسن بن جلوي وكبار المسؤولين والوجهاء.
تعليق
ليس لي أي تعليق على هذه الجولة سوى القول: إن تحسس المشكلات، وبخاصة الرياضية منها، ليس مقنعاً بواسطة المعاملات أو الورق بقدر ما هو مجدٍ بالمشاهدة الواقعية.. وإني أطلب إلى سموه أن يواصل جولته هذه على جميع المناطق، وحسناً فعل ببدئه هذه الجولة بالمنطقة الشرقية.. ولا شك أن المناطق الأخرى ترغب في ملاقاة سموه.. والنهضة الرياضية لا بدَّ أن تتعدى أروقة رعاية الشباب.. ونحن في حاجة ماسة إلى خطوات أكثر.. نريد قفزات تجعلنا ننطلق تماماً من الماضي نريد ثوباً جديداً نزهو به.. فلا زلنا نوالي التجربة تلو التجربة تلو التجربة ولم تختلف الأساليب.. وأعتقد أنه لن يتم ذلك إلا على يد هذا الرائد.. سمو الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز.
|