Thursday 1st June,200612299العددالخميس 5 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

الواسطة ومتى تكون مقبولة؟ الواسطة ومتى تكون مقبولة؟
عبدالله بن راشد السنيدي

هناك مفهوم شائع بين الناس بأن إنهاء إجراءاتهم ومعاملاتهم لا يتحقق إلا بالواسطة، فالشخص الذي يرغب التوظيف لن يحصل له ذلك إلا إذا كان له معرفة أو واسطة تساعده للحصول على الوظيفة والشخص الذي له معاملة في جهة حكومية أو غيرها لن تنتهي تلك المعاملة إلا بالواسطة، والشخص الذي سوف يسافر بالطائرة لن يحصل على مقعد بها إلا بالواسطة والمواطن الذي سوف ينشئ له منزلاً لن يحصل على موافقة البلدية إلا بالواسطة ولن يصل التيار الكهربائي أو الهاتف أو أنابيب الماء إلى منزله إلا بالواسطة، والمريض الذي يرغب العلاج لن يحصل له ذلك إلا بالواسطة، بل لقد بالغ البعض في مفهوم الواسطة إلى درجة أن بعضهم يلجأ إليها عند تسديد الفواتير وإنهاء إجراءات السفر أو القدوم حتى لا يكلف نفسه بالوقوف في الطوابير المنظمة ونحو ذلك.
إذاً ما هي الواسطة وهل هي مشروعة هل هي ممنوعة هل هي ظاهرة؟ الواسطة تعني المساعدة في تحقيق رغبة الشخص من قِبل أحد أقاربه أو معارفه في إنهاء إحدى المعاملات أو الإجراءات الإدارية، وهي تعرف في الشريعة الإسلامية بالشفاعة وهي السعي في قضاء حاجات الناس ومصالحهم التي تكون عند الآخرين. والرسول صلى الله عليه وسلم وعِد من المولى عز وجل بأن يشفع لأمته يوم العرض الأكبر فالشفاعة في الإسلام تكون لأصحاب الحاجات المباحة وبالذات العاجزون والمحتاجون (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) إلا أن الشريعة الإسلامية لا تقر الواسطة أو الشفاعة التي تؤدي لتعطيل الأحكام أو الأنظمة (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) فالرسول عليه الصلاة والسلام اعترض على قريش لما جاءته للشفاعة في عدم إقامة حد السرقة على المرأة المخزومية حيث قال قولته المشهورة لأسامة بن زيد رضي الله عنه الذي وسطته قريش لمفاتحة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر (أتشفع في حدٍ من حدود الله، إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، والشأن كذلك في الأنظمة الوضعية المعاصرة، فهذه الأنظمة أو القوانين وردت بنصوص عامة ومجردة يتم تطبيقها على من تتوفر لديه شروطها وضوابطها ولم يرد بها استثناءات من ذلك كما لم يرد بها ما يعرف بالواسطة، وذلك لأن الواسطة السلبية تؤدي إلى الارباك في العمل الإداري وإلى عدم دراسة المعاملات بشكلٍ جيد وإلى الإخلال بمبدأ العدالة والمساواة وإلى تقعيد هذه العادة وتعويد الناس عليها. إذاً فالواسطة أو الشفاعة تكون في الأمور التي لا تؤدي إلى تعطيل الأنظمة أو مخالفتها أو الاضرار بحقوق الآخرين، وفي المملكة تعتبر الواسطة السلبية التي تؤدي إلى تعطيل الأنظمة في حكم الرشوة فقد ورد في نظام مكافحة الرشوة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (175) في 28-12-1412هـ (كل موظف عام طلب لنفسه أو غيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عملٍ من أعمال وظيفته ولو كان مشروعاً يعد مرتشياً ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بإحداهما).
إذاً ينبغي أن تكون الواسطة محصورة في الإجراءات العادية وفي توضيح الأنظمة للخاضعين لها بحيث تتم إفادة المواطن بما يجب أن يقوم بعمله لإنهاء معاملته والواسطة بهذا المفهوم لا تقتصر على أحد دون أحد بل ينبغي تعميمها لكافة المراجعين الذين يطلبونها حتى لو أدى ذلك إلى شيوعها فإنه لا غبار عليها بل قد تكون مطلوبة عندما يكون المراجع غير ملم بالأنظمة والتعليمات أو الإجراءات، أما الواسطة التي تخالف الأنظمة والتعليمات أو تقدم أحداً على آخر بدون وجه حق فهي مرفوضة، فالمواطن الذي يرغب الحصول على وظيفة رسمية دون مسابقة أو بدون قواعد المفاضلة بين الخريجين ويبحث عن واسطة لمساعدته في ذلك يعتبر طلبه غير نظامي ولن يجد من يساعده في ذلك، والمواطن الذي يرغب إقامة منزل له بدون الحصول على فسح من البلدية يكون تصرفه غير مقبول وهكذا.
لذلك فإنه ينبغي عندما يكون لأي منا معاملة لدى أي جهة أن يسلك الطرق النظامية لمتابعتها فإن كانت تلك الطرق أو الأساليب غير واضحة لنا فلنلجأ لمن يوضحها لنا إذ إن كثيراً من المعاملات تنتهي بدون الحاجة إلى أن نبحث عمن يساعدنا في إنهائها، وعليه فإننا بهذا الأسلوب نكون قد سلكنا الطريق الصحيح في متابعة المعاملات وفي نفس الوقت وفَّرنا وقت وجهد الآخرين الذي قد يُبذل بدون حاجة له، إننا نقول ذلك لأن كثيراً من الاخوة عندما يكون لأي منهم معاملة أو موضوع في جهة إدارية سواء كانت هذه المعاملة سهلة أو صعبة يلجأ فوراً لمن يساعده في إنهائها وكأن القاعدة في إنهاء المعاملات هي الواسطة أو المعرفة، نعم قد يكون هناك نوع من الواسطة المرفوضة ولكنها تتم في حالات محدودة ومحصورة في بعض الأمور غير المنضمة بنصوص وقواعد واضحة.
إن التوجيهات السامية في هذا الصدد تؤكد وباستمرار على ضرورة خدمة المراجعين والعناية بمعاملاتهم ومن ذلك الأمر السامي رقم (891-م) في 23- 3-1404هـ الذي يقضي بأن على كل وزير أن يخصص يوماً أو أكثر في الأسبوع لاستقبال المراجعين والنظر في معاملاتهم، كما أنه يوجد في كل وزارة أو مصلحة حكومية مكتب لخدمة المراجعين فلماذا القلق ولماذا نلجأ في كل مرة إلى طلب المساعدة في إنهاء معاملاتنا ما دام أن العملية قد نظمت وأن معاملاتنا سوف يتخذ عليها الإجراء المناسب بدون أن نلجأ إلى أحد لكي يساعدنا في إنهائها ثم انه لو حدث تأخر في اتخاذ الإجراء المناسب حيال معاملة معينة بسبب الإهمال أو اللامبالاة فإنه بإمكان صاحبها اللجوء إلى الوسائل المشروعة كأن يقوم بتقديم شكوى للمشرف على الجهة الإدارية التي توجد بها معاملته والذي سيقوم وبدون شك باتخاذ الإجراء الذي يضمن سير المعاملة ومعاقبة المتسبب في تأخيرها.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved