ليس لديَّ أدنى شك أن ما حلَّ بالاقتصاد الوطني من نكسة وانهيارات مالية وقبله نفسية هو كارثة بكل المقاييس، وتقع المسؤولية مباشرة على وزارة المالية ومؤسسة النقد ووزارة التجارة والصناعة ووزارة التخطيط والاقتصاد والبنوك بشكل متداخل مترابط لا يمكن الفصل بينها. وليس تدافع الاختصاصات هنا مشكلة قانونية، لكنها ربما تكون تشريعية في عدم وضوح الرؤية في تداخل وتشابك المهام والمسؤوليات بين كل المنظمات السابق الإشارة إليها. وليس المجال هنا للحديث عن ذلك، ولا الآلية المنهجية والدستورية التي توجب وجود تنظيم مؤسسي يحدد المهام والاختصاصات، فربما أن هذا يدخل في اختصاص مجلس الشورى؛ كونه السلطة التشريعية لولي الأمر. ولا أريد أن أقحم أمر المحكمة الدستورية؛ فهي ما زالت في طور الدراسات على مستويات عليا في الدولة والحكومة.
لم نَرَ أي مبادرة أو تدخل من وزارة المالية ولا التجارة والصناعة ولا المصرف المركزي - مؤسسة النقد - بحكم مسؤولية الارتباط والترابط بين هذه الأجهزة في شأن الأموال وكمية النقود وحركة تداول النقد من خلال الأوعية الاستثمارية التي كانت الأسهم هي القاسم الأعظم في التجارة اليومية بصرف النظر عن نسبة إسهامها في حركة التجارة المحلية. لقد كانت البنوك مستحوذة على كم هائل من الأموال من خلال صناديق الاستثمار التي تولت إدارة محافظها البنوك بمباركة ودعاية من مؤسسة النقد ومحللي الاستثمار. وهنا فإن التساؤل عن ماهية ونوعية الإدارة هنا تبرز للفكر بروزاً واضحاً. ويتوالى التساؤل: أحقاً تملك البنوك مهارة الإدارة وتعرف مخاطر الاستثمار؟! لقد وثق الناس ممن ادخروا من قوت يومهم في البنوك أنها ستدير المحافظ الإسلامية وغير الإسلامية التي تودع كلها في المصارف العالمية وتأخذ الفوائد.. كيف يكون حال (المدير) وهو يرى انهيار سوق الأسهم وهو قد وضع جل مدخرات المشتركين معه في الأسهم؟! كان البنك (المدير) حريصاً على إبلاغ المشترك بالأرباح المتحققة كل أسبوع، لكن حينما بدأت مؤامرة جامعي الأموال وتدمير الاقتصاد وخلق الألم بدل الثقة والأمل في ربح قليلة هي المخاطر فيها توقف البنك (المدير) عن الحراك وبقي متفرجاً أو مشاركاً في الكارثة، حتى وصل الأمر إلى خسارة 70% من رأس المال. لم يشعر المستثمرون بما حصل ليكون لهم الخيار في الاستمرار في الاستثمار الخاسر أو العودة بخُفَّيْ حنين لا خُفَّيْه. هل كان البنك (المدير) سيظل واقفاً يتفرج حتى يتآكل رأس المال ثم يعلن إفلاس الصندوق الاستثماري؟! أليس البنك (المدير) يقيِّم الأسعار يومياً، بل على مدار الساعة؟! هل منع أحد من الحكومة البنوك المديرة لمحافظ الاستثمار من الإفصاح عن حالة/ موقف الصندوق الاستثماري؟! هل عقدت مجالس إدارة أي بنك جلسة طارئة لمواجهة فشل وإخفاق المديرين لمحافظ الاستثمار واتخذت قراراً بإنقاذ ملايين البشر من المواطنين الذي وثقوا بإدارة البنوك لأنها الأكثر دراية مهنية ومعرفية في الأعمال المصرفية وإدارة المخاطر وكمية النقود وأثرها على الخزينة؟!
على رغم الخسارة المادية الهائلة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الاستثمار المحلي على الإطلاق لم تكن الخسارة النفسية والمعنوية أكثر أثراً في البنوك المديرة لمحافظ الاستثمار، وكأن الحال يقول بمنطق البنوك: وأنا مالي ما دامت العمولة مستقطعة على الاشتراك والإضافة والسحب. أين كانت الإدارات المنتدبة ومديرو الخزينة والاستثمار عن ممارسة مهنيتها ومسؤوليتها الاجتماعية أمام ملايين الناس الذي وثقوا بها مديرة لمحافظ الاستثمار قليل المخاطر؟!
البنوك بهذا أثبتت فشلها في كسب ثقة الناس، فما زال الناس مكرهين ومجبرين على التعامل معها على رغم سوء المعاملة والتعامل وقلة الاحترافية في الخدمة المصرفية؛ فقد بات الإنسان يُطرد إذا أراد فتح حساب على رغم أن المصارف في العالم تفتح للطلبة في حدود مائة دور ويسحب شيكات مطبوعة باسمه بألوان زاهية 2-3-5 دولارات. وفي ظني أن استعادة الثقة باتت أمراً صعباً جداً، ولن يثق أحد بأي بنك يدير محفظة استثمار ما دام الحال كما هو اليوم؛ لا هم ولا اهتمام بملايين العملاء الذين تبحث المؤسسات في أي شأن عن كسب رضاهم إلا في بلادنا بكل أسف!!
ألم يكن في إمكان البنوك وفق ما لديها من خبرات محلية وعالمية من خلال تعاملاتها على مدار الساعة مع البنوك العالمية التي تحرص على كسب أعشار أعشار أجزاء العملات التواصل بالإعلان والإعلام بالهاتف أو الرسائل الهاتفية القصيرة لكل مشترك/ مستثمر بحالة/ موقف الصندوق؟!
لمَ لمْ تعلن البنوك أن مجال الاستثمار الذي تديره نيابة عن ملايين المواطنين المدخرين قد أصابه وابل وطل؟! هل كان في هذا عيب مهني أو مانع نظامي أو حتى فتوى هيئات الرقابة الشرعية التي ساهمت في زرع ثقة الناس ولم يكن الأمر كذلك؟!
حسناً، لكن ما بال الجهات الحكومية المعنية؟! هل باركت هذا السلوك من المصارف المحلية؟! هل ليس لما حصل أثر على كمية النقود وتداولها؟! ألا يقلق هذه الجهات تردي الأوضاع المالية والاستثمارية والمعيشية لملايين المواطنين الذي تآكلت أموالهم بسبب إدارة البنوك للمحافظ؟! هل كان الصمت حتى تدخَّل الملك عبد الله بن عبد العزيز وأخذ قراراته التصحيحية؟!
إن الأمر ليس بالغ الحزن والأسى، بل إنه قد تجاوز ذلك إلى الصدمة وعدم الثقة، فكيف أهملت البنوك أموال الناس التي اؤتمنت عليها لاستثمارها في مجالات مربحة لا خاسرة متدهورة؟! وما عذر وزارات المالية والاقتصاد والتجارة ومؤسسة النقد في صمتها وعدم الإفصاح عن الحقيقة؟!
باحث ومستشار إعلامي |