عنوان هذا المقال هو عنوان المؤتمر الرابع والأربعين لجمعية القراءة العالمية IRAالذي عقد في مدينة (سان دياجو) بولاية كاليفورنيا في الفترة من 2-7 مايو 1999م. وهذا العنوان يحمل رسالة مهمة وخطيرة، وهي أن بوابة المستقبل لن يدخلها غير القارئين، ولكي تعيش مستقبلك لا بد أن تقرأ، لأن التغير أصبح كبيراً، وما لم نقرأ لن نلحق بما حولنا ومن حولنا في كافة المجالات.
وربما يتساءل بعض القراء الكرام عن السبب الذي يجعل كثيرا من الكتاب يتطرقون إلى موضوع ثقافة القراءة وأهميتها، وسبل توعية الناشئة بضرورة ممارستها وتعويدهم عليها، وللإجابة عن هذا التساؤل لا بد من معرفة أن الدول المتقدمة تبذل الميزانيات الضخمة، والجهود الكبيرة، بل وتؤسس المشروعات المتخصصة في مجال القراءة، فعلى سبيل المثال يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية عشرات المشروعات القرائية في مختلف الولايات من مثل: القراءة عبر أمريكا Read Across America وغيرها من المشروعات، وكذلك الحال في بريطانيا وأستراليا وغيرها من دول العالم.
وبالنسبة للعالم العربي والإسلامي، فإن هناك اهتماماً متزايداً وملحوظاً في هذا الشأن، وذلك لأن الأمر القرآني {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} ينبغي أن يدفعنا إلى أن يكون كل واحد من أمتنا قارئاً، طالباً لمزيد من العلم والمعرفة. والإشارة البليغة من هذه الآيات أن باب الإيمان القراءة، وباب العلم القراءة، وباب الدنيا القراءة، وباب الآخرة القراءة.
وسؤال آخر يفرض نفسه، من هم المبدعون؟ ومن هم المفكرون؟ إن هم إلا مجموعة من الشخصيات المتميزة الذين اختاروا العلم موطناً والقراءة طريقاً، والعرق والسهر قدراً، وقد ذكر (عباس محمود العقاد) أن القراءة تضيف إلى عمر الإنسان أعماراً أخرى، هي أعمار الكتاب والمفكرين والفلاسفة الذين يقرأ لهم الإنسان، أما الفيلسوف الفرنسي (فولتير) فقد سأل مرة هذا السؤال: من يقود الأمم؟ وقال مجيباً عن هذا السؤال: يقود الأمم هؤلاء الذين يقرؤون، ويكتبون، وسئل أحد العلماء العباقرة: لماذا تقرأ كثيرا؟ فقال: (لأن حياة واحدة لا تكفيني!!).
وفي الحديث عن القراءة، لا بد من الحديث عن دور الأسرة في تنمية الميول الإيجابية نحو القراءة، فقد أكدت بعض الدراسات أن من المشكلات التي تؤثر في عادات القراءة لدى الأطفال تتمثل في عدم إقبال معظم الأسر على القراءة مما نتج عنه عدم توافر الأسوة الحسنة في ميدان القراءة الحرة، وندرة المكتبات الخاصة في معظم المنازل.
إن هناك دوراً مهماً وفعالاً للوالدين في تنمية حب القراءة بما يتناسب مع الميول والرغبات، حيث يؤكد كثير من الباحثين في مجال تعليم القراءة أن كثيراً من الطلاب المتميزين في القراءة قد نشأوا في بيئات ذات اهتمام بالقراءة كأن يكون الوالدان لديهم اهتمامات في مجال القراءة، ومن ثم يحاولون صنع الجو المناسب لأبنائهم لتعلم القراءة.
تقول الباحثة الأمريكية Mary Leonhardt ميري ليو نهاردت (1997)، إن هناك أسباباً تؤكد على الآباء ضرورة مساعدة أبنائهم في محبة القراءة، ومن هذه الأسباب ما يلي:
1- يجب أن يحب الأطفال القراءة ليصبحوا قراءً جيدين ومتميزين، فالطفل عندما يحب القراءة فإنه سينفق وقتاً كبيراً في القراءة مما سيجعله متفوقاً في القراءة، وبالتالي يساعده هذا في التفوق في المواد الأخرى.
2- إن القارئ الجيد يكتسب المهارات اللغوية المعقدة، فهو يتحدث ويكتب ويتعامل مع الأفكار المعقدة بصورة أفضل من غيره.
3- القراءة تساعد الأطفال في التعرف والاطلاع على مجموعة كبيرة من المراجع مما يجعل عملية التعلم لديهم تسير بشكل يسير.
4- في المرحلة الثانوية، يكون التفوق واضحاً للطالب القارئ إذ باستطاعته التفاعل مع مختلف المواد التي تتطلب مهارات مختلفة، وبالتالي فإن الطالب القارئ يصبح متفوقاً في دراسته الجامعية.
5- القراءة تعطي الأطفال القدرة على تحديد وجهات النظر في الموضوعات التي يتعرضون لها، كما أنها تساعد الأطفال على فهم آراء الآخرين.
لهذه الأسباب وغيرها كثير يتضح بجلاء أهمية القراءة بشكل عام، وأهمية الدور الملقى على عاتق أولياء الأمور من الآباء والأمهات في سبيل ترغيب أبنائهم في القراءة وتوفير الكتب المناسبة لهم من حيث السن والميول، لقد شاهدت بنفسي - أثناء دراستي - في الولايات المتحدة الأمريكية عناية الآباء بالقراءة لأبنائهم، وقيامهم بتسهيل حصول أبنائهم على الكتب المناسبة لأعمارهم وميولهم، بل إن كثيراً من أولياء الأمور كانوا يشاركون في البرامج الصيفية التي كانت تعقد من أجل مساعدة الطلاب الضعفاء في القراءة. إن أهم قضية ينبغي معالجتها والحديث عنها هي قضية الوعي بأهمية القراءة من جميع أفراد المجتمع آباء وأمهات، ومعلمين ومعلمات، وأمناء مكتبات وغيرهم.
إني هنا أدعو أولياء الأمور كل أولياء إلى المشاركة بفعالية لبناء جيل قارئ مثقف.
وأخيراً، القراءة، القراءة، كلمة لن نمل من ترديدها...
وكيل عمادة المركز الجامعي للتعليم المستمر بجامعة الإمام |