إن مراجعة متأنية لجوهر الشريعة الإسلامية المطبقة في المملكة العربية السعودية، والتي سأتناولها باقتضاب لتبيان طرق تثبيتها في النفوس وتعليمها للناس جميعاً من الشباب والرجال والنساء على السواء مروراً بخطوات الإنسانية في تاريخها الطويل لتقرير حقوق الإنسان ونشر ثقافة السلام والدعوة للتسامح بين الشعوب والأفراد مشيراً إلى (المجناكرتا) عام 1212 وإلى قانون الحقوق الإنجليزي 1689م وإلى إعلان الاستقلال في الولايات المتحدة 1776م وإعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا 1789م وإلى ما اكتسبته كل هذه القوانين من أبعاد عالمية بعد تبني الإعلان الدولي لحقوق الإنسان عام 1948م من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة. فهل لا يتطلب هذا الاستعراض والمناقشة لما حققته البشرية خلال تاريخها الإشارة والتوقف عند الدعوة الإسلامية التي سبقت كل هذه الوثائق، وقررت وأكدت كل ما نحاول أن نؤكده من حقوق الإنسان وأعلنت منذ بداية الدعوة في بداية القرن السابع الميلادي في آيات مفصلات من القرآن الكريم، الأساس لكل ما ندعو إليه من تسامح ودعوة للتفاهم المتبادل. فالقرآن الكريم يقول{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات.
فالآية القرآنية الكريمة - كما نرى - تخاطب الناس جميعاً ولا تختص بشعب أو قبيلة أو دين، وتجمع بين الرجال والنساء، كما تشير إلى الشعوب والقبائل، مؤكدة أن غاية الخلق الإلهي للبشرية بعد عبادة إلههم، هو أن يتعارفوا أي أن يتبادلوا المعرفة والفهم، وتؤكد لهم ألا تفرقة بينهم على أساس الجنس أو اللون، بل ولا حتى العقيدة، لأن أكرم الناس وأفضلهم هم أكثرهم تقوى لله. وهذا المبدأ الإنساني العالي الذي تعلنه الآية القرآنية هو الأساس لكل الحقوق الإنسانية، والسند الذي تعتمد عليه أو يجب أن نعتمد عليه وأن نجعله مدار التعليم للفهم المتبادل والتسامح الذي ننشده بعد تجارب البشرية القاسية في العنف والحروب والبغضاء والتفرقة العنصرية، وبعد جهود الدعاة والمفكرين والمصلحين لمواجهة ميل البشر للتفرقة بين الشعوب والقبائل وخشيتهم من معرفة بعضهم بعضاً، وحرصهم على الاحتفاظ بما يتم من فرقة تبرر ما يمارسونه من كراهية وعنف.
قد نتفق جميعاً على أن التعليم وإشاعة المعرفة هما الأداة لمواجهة ما يعانيه البشر من جرَّاء ما يمارسونه من تفرقة عنصرية ونكران لحقوق الأفراد والشعوب وغيبة التسامح بينهم. إننا ونحن نعيش جميعاً في قرن جديد من تاريخ البشرية التي عذبها افتراقها وتشتتها حول معنى ومدلول التسامح، وعلى وجه أدق اختلافها حول طريقة مواجهة العنف والكراهية وما تخضع له الشعوب والأفراد من نكران لحقوقها الأساسية. بل ولا شك أننا قد نفترق ونختلف على تحديد هذه الحقوق وترتيب أولويتها. ولكننا نتفق على أهمية التعليم ودوره في الفهم المتبادل ونشر التعاون والسلام وعلاقته بحقوق الإنسان وبالحريات الأساسية التي ننشدها للبشر.
إن السؤال ما زال ملحاً وضرورياً على البشرية جمعاء، وعلينا جميعاً كأفراد، كيف نعلِّم أجيالنا التسامح، وكيف نرسخه في نفوس أجيالنا التي تعيش في القرن الحادي والعشرين والعنف مازال سائداً في العالم، والتفرقة العنصرية ما زالت تمارس في أبشع صورها، والتفرقة بين الناس والشعوب ما زالت محتدمة قائمة في النفوس والسلوك؟!!
إنني لن أستطيع بالطبع أن أقدِّم جواباً على هذا السؤال ولكن إذا كان لي أن أعرض الإجابة عن هذا السؤال الصعب من خلال التجربة والتراث الديني الذي قامت عليه الحضارة العربية الإسلامية فإنني أقول: إن التجربة الدينية في عمومها والإسلامية بالتحديد يجب أن تدخل في إطار القرارات والتوصيات التي تنظر فيها المؤتمرات أو تتخذها، لأن التجربة الإنسانية الإسلامية تعتبر رافداً جوهرياً لإثراء هذه القرارات وتثبيت أركانها. كما أن التجربة الدينية التي يتلقاها الطفل والصبي والشاب في بيته ومدرسته وما تتضمنه من قدوة هي الوسيلة التي لا غناء عنها لتثبيت المبادئ وتحويلها إلى سلوك. وليست هناك قيمة أو جدوى من المبادئ والدعاوى حتى تتحول إلى سلوك يواجه به الإنسان ما يطرأ عليه في حياته وعمله وتعامله مع الآخرين.
وقد كنت أحب أن أعرض بالتفصيل معاني وأنواع الحقوق كما تعرضها النصوص الإسلامية في القرآن والحديث النبوي الشريف، ولكن هذا مبحث طويل، ويكفي أن أكرر الدعوة لضرورة دراسة التراث الإسلامي واعتباره جزءاً لا يتجزأ من تاريخ حقوق الإنسان. فالقرآن يتعرض للحق بأنواعه. ويميز الفقه الإسلامي بين حقوق الله وحقوق العباد، والحقوق المشتركة بين الله وعباده، والحقوق المتعلقة بمصالح الكافة والمتعلقة بمصالح الأفراد. كما يفصل علماء الإسلام - اعتماداً على الحديث والقرآن - حقوق الإنسان وما عليه من التزامات وواجبات تحقق مصلحة من مصالح حفظ الدين والنفس والعقل والنسل، وتؤكد على حرية الفرد في التنقل والتملك، بل وفي التعلم والمأوى والأمن. وتقوم الحقوق التي يعلنها الإسلام على مبدأ أن الدعوة الإسلامية هي للبشر جميعاً بلا تفرقة بينهم.
وأفضل ما أختتم به هذه الخواطر الدعوة لإلهنا الواحد أن يشمل الجميع برحمته التي وسعت كل شيء.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،
|