Wednesday 17th May,200612284العددالاربعاء 19 ,ربيع الآخر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الاقتصادية"

رأي أقتصادي رأي أقتصادي
د.محمد اليماني
ماذا بعد انهيار سوق الأسهم؟

لا غرابة أن يستحوذ سوق الأسهم على جل اهتمام الناس ونقاشاتهم، إنْ في المجالس الخاصة أو على صفحات الجرائد أو شاشات التلفزيون. وإذا كان لهذا شيء إيجابي فهو تحول كم هائل من الناس إلى محللين وخبراء اقتصاديين وماليين. وعلى الرغم من هذا القدر الهائل من النقاش والتحليل إلا أنه يظل محصوراً في دائرة ضيقة تتمحور حول الأسباب وهل من الممكن أن تسترد السوق ما فقدته، يضاف إلى ذلك تجارب شخصية وقصص لآخرين عانوا من انهيار السوق ولا بأس بقدر من الآهات التي تبث من حين لآخر تحسراً على الأيام الخوالي.
يفترض في المرحلة الحالية أن نتجاوز هذا الطرح إلى طرح أعمق وأكثر عملانية يهتم بكيفية الخروج من هذه الأزمة بأقل قدر ممكن من الخسائر، ويهتم كذلك بما يجب فعله للتخفيف من الآثار الكارثية لانهيار السوق على المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
ذلك أن ما أحدثه هذا الانهيار من مشكلات على قدر كبير من الفداحة أعجز الكثيرين عن تصورها أو استيعابها بشكل كامل. وهي لا تقتصر على المتعاملين في السوق - وهم كثر - بل إنها تطول تقريباً جميع المواطنين والمقيمين داخل البلاد، ويتعدى أثرها لتطول أيضا المتغيرات الاقتصادية الكلية وسمعة البلد الاقتصادية ككل.
فعلى سبيل المثال نحن بحاجة إلى معالجة ما أحدثته سوق الأسهم من اختلالات في نمط توزيع الثروة داخل المجتمع. وكذا حالة الانفصام الآخذة في التشكل، حيث إن هناك نمواً اقتصادياً كبيراً مرده الزيادة في أسعار النفط، يتزامن مع تدهور مستوى معيشة شريحة لا يستهان بها من أفراد المجتمع بسبب انهيار سوق الأسهم. وفي الإطار نفسه، أثر هذا الانهيار على مدخرات وثروات الطبقة الوسطى - التي يمكن اعتبارها صمام الأمان في أي مجتمع - الأمر الذي يهيئ لنشوء حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
وما حدث في سوق الأسهم يؤثر أيضا على الإنفاق الاستهلاكي وخاصة على السلع المعمرة، وعلى بناء المساكن الخاصة.
ومن المعروف أن الإنفاق الاستهلاكي أحد محركات النمو الاقتصادي للمجتمع وأحد محفزات الإنفاق الاستثماري. وبالتالي، فإن أي سياسات لدعم وتشجيع الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري ستصبح عديمة الجدوى ولا يتوقع لها أن تحدث الأثر المرجو.
وإذا كان الإنفاق الاستثماري يتأثر سلباً بتدني قدرة ومستوى إنفاق المستهلكين، فإنه يتأثر أيضا بمقدرة المستثمرين على تمويل استثماراتهم الجديدة التي ستكون أيضا محدودة نتيجة لاستئثار سوق الأسهم بنصيب الأسد من القروض ابتداء وعزوف المستثمرين عن الاستثمار المنتج، واحتمال زيادة حجم القروض المتعثرة بسبب عدم تمكن المقترضين على سداد القروض.
وقد كان انتشار حالات الإفلاس للمنشآت الصغيرة والمتوسطة أحد العلامات البارزة للأزمة المالية الآسيوية. ومن السهل التنبؤ بما يمكن أن يحدث في مثل هذه الحالة لكثير من المتغيرات والمؤشرات الاقتصادية الهامة مثل متوسط الدخول ومعدل البطالة ومستوى الأرباح وغيرها.
ما سبق آثار متوقعة لانهيار سوق الأسهم، وفي حال حدوثها فإنها ستكون بجرعات قاسية يصعب على الاقتصاد التعامل معها بسهولة. وهي أيضا ليست للحصر وإنما للتمثيل على طيف واسع من الآثار السلبية لانهيار السوق المالية.
ومن المناسب جداً هنا أن لا يفرط الكثيرون باحتمال ارتداد السوق إلى سابق عهدها. ذلك أن ارتداد السوق بحاجة إلى مجموعة من المقومات أبرزها وجود الأشخاص القادرين على الشراء. هذا فضلاً عن كون السوق قد تتحسن بعض الشيء لكن هذا لن يصلح بالضرورة ما أفسده الانهيار. إذ إن الآثار الإيجابية لارتداد السوق يجب - لأجل أن تحدث الأثر المطلوب - أن تكون بنفس قوة الآثار السلبية للانهيار وبنفس درجة التوزع إن لن يكن أكبر.
الشيء الذي ربما يبعث على التفاؤل بإمكانية الخروج من هذه الأزمة بخسائر يمكن احتمالها وذلك متى أحسن استخدامه هو تزامن حدوثها مع وجود الفائض المالي الضخم الناشئ عن أسعار النفط المرتفعة. وربما كان هذا هو الحل واللغز.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved