Wednesday 17th May,200612284العددالاربعاء 19 ,ربيع الآخر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"دوليات"

أضواء أضواء
عبدالله نور الذي فقدناه
جاسر عبدالعزيز الجاسر

ورحل عملاق آخر من عمالقة التراث والأدب في المملكة؛ فعبدالله نور الذي ودعناه أمس، بعد أن ودع الدنيا يوم الاثنين، ليس أديبا فحسب، ولا محبا للتراث وقيما على هذا الضرب من ضروب الثقافة، بل كان عاشقا ورث حبه وعشقه له من أبيه الروحي وأستاذه وشيخه حمد الجاسر. عبدالله نور كل هذا وأكثر.. عبدالله نور يتوهج عندما يتسنم منبرا ليتحدث عن الأدب بكل أصنافه وضروبه، يبحر فيك متحدثاً عن الأدب الجاهلي وشعراء صدر الإسلام والعصور الأموية والعباسية والأندلسية، وكل العصور حتى يصل بك إلى العصر الحديث.. تعشق الشعر حينما يلقي عبدالله نور قصيدة.. يرسم لوحة بكلماته مبيناً المعنى ومبرزا الأطر الفنية وموضحاً الصور البلاغية.. يجعل من القصيدة لوحة رائعة تنطق، فتهيم في المعنى والمضمون، وتحلق مع إلقائه وكأنك في مجلس أبي الطيب المتنبي.. أو جالس على سواقي (أبو الخصيب) مع بدر شاكر السياب.. أو في مقهىً تتطارح الشعر مع نزار قباني.
عبدالله نور إن كتب شدك وشد كل من وقع نظره على مقالته أو بحثه، فلا يترك النص حتى ينهي قراءته.. عندما يكتب، يكتب بصدق, ويحيط بالموضوع الذي يكتب عنه بأسلوب أدباء العصر الذهبي لأدباء العرب. يجمع بين أسلوب الجاحظ ومنهجية المحدثين، ويقدم فكره بطريقة سلسة بلا غموض، إنما بلغة راقية وبكلمات منتقاة لا يعرفها من جيل عمالقة الأدب إلا عبدالله نور. يكتب في التاريخ فيبدع.. في الأدب ناقداً فيكون منصفا لصاحب النص ومتلقيا، فيظهر درر الإبداع، ويضع يده على بواطن الضعف وفي كلا الحالتين لا يغالي، منحازا دائما للحقيقة و الإنصاف.
يكتب رواية فيعيدك إلى حميمية أجواء ما يكتب عنه، ويجسد شخصيات الرواية فتشعر بأنها تقاسمك الحياة.. من قرأ ما كتبه عبدالله نور في هذا النوع من الأدب رجاه أن يواصل، وينشر ما كتبه ولا يزال مخطوطا، إلا أنه (رحمه الله) كان زاهدا ب(الشهرة) بل زاهدا في كل شيء، كأنه لا يريد أن يعتقد وهو كذلك بأنه أستاذ جيل، وشيخ من شيوخ الأدب والثقافة.. كان بسيطا في حياته وإن مال إلى فوضوية البساطة.. كان يسامر كل من يحب أن يجالسه... يتحدث مع الجميع بلا غرور... يعطي علمه وأدبه لكل من يطلبه ومن لا يطلبه، حينما يتوسط المجلس - أي مجلس - في بهو الفندق، أو في المقهى أو عند زيارته لمكاتب الجزيرة، أو في مجالس البيت، يتحدث، ويتحدث, يتحدث عن كل شيء.. يبهرك حتي لا تود أن يسكت، تستمع إليه وتشعر بأنه يتكلم بتلقائية، مثلما يتحدث أحدنا في الأشياء العادية، لا يعرف أنه يقدم درسا أو محاضرة.. ولكنه هو هكذا دائما... شيخا عندما يتحدث في التراث، أستاذا عندما يخوض في الأدب، معلما عندما يتناول أمور الحياة. عبدالله نور كم سنفتقدك.. وكم فرطنا بك حينما لم نسجل كلما تحدثت به طوال السنين التي عشناها معك.
رحمك الله يا أبا عبدالرحمن فسوف نحتاج إلى سنين.. والوطن إلى عقود؛ حتى نحصل على عبدالله نور آخر..!!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved