Wednesday 3rd May,200612270العددالاربعاء 5 ,ربيع الثاني 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الاقتصادية"

الغوص.. وربيع المؤشر الغوص.. وربيع المؤشر
د. سهام العيسى

عند عودتي للوطن السنة الماضية في شهر مايو اكتشفت تغيرات كثيرة في تفكير الناس وطريقة تعاملهم مع الحياة اليومية ومع عالم المال بالتحديد... فجأة تحول المجتمع إلى مجتمع اقتصادي فحديث الأسهم أصبح هو السيمفونية التي تتجانس نغماتها مع حركة المجتمع الجديدة وتتناغم مع نشاطاته فما بين حديث في المجالس العائلية والدوائر الحكومية والشركات الخاصة والمكاتب ودورات تناقش سوق الأسهم وتدرب على تحليل البيانات ومحاضرات للمرأة خصوصاً ودعوة لها لاستثمار أموالها المجمدة في البنوك، كل الأبواب شرعت لهذا القادم الجديد وأصبح الغوص في سوق الأسهم مباحاً للجميع خصوصاً أن بداية العام الماضي كانت ربيع المؤشر الذي كان كنقطة جذب إلى كل من يجيد السباحة في هذا العالم الشائك ومن لا يجيدها. من المعروف أن الأصل في الاستثمار في البورصات هو لمن يملك أموالاً فائضة ولكن التيار جرف الكثيرين ودون تفكير أو تحليل واقعي فمنطق العقل يرفض الاعتماد على كسب غير محتمل أو مضمون، ولكن الوضع في عالم يحكمه الحلم بسلطان الثراء نجده مختلفاً فالبعض اقترض من البنوك والبعض الآخر باع ما يملك من ذهب أو عقار بل إن الكثيرين تركوا مصادر رزقهم الثابتة واتجهوا إلى عالم الأسهم وأثرت هذه الموجة في إنتاجية الكثير من الموظفين وأدائهم لدرجة أن بعض الأستاذة الجامعيين غيروا مواعيد محاضراتهم إلى ما قبل أو بعد قفل السوق.
إن أسواق الأسهم ليست أسواق مراهنات ومكاسب لا توازيها مخاطر، بل إن الاستثمار في أي سوق مالية تتساوى كفتا الربح والخسارة فيه، وقد يخضر المؤشر لزمن وينسى الناس خلال جني أرباحهم وحسابها أن الأمواج الحمراء ستأتي يوما ما لتتلاشى تلك الأرباح فيها ومن لا يجيد الغوص وسط هديرها سيغرق كما غرق الكثيرون.
ما كنا نحتاجه حقيقة هو زيادة وعي المستثمر الصغير لأن هوامير السوق يجيدون اللعب فيه.. المستثمر الصغير دخل وهو يملك حلما بسيطا، وأصبح هذا الحلم يتضخم ويكبر إلى درجة الغرق في هذا العالم، لن نلومه فالمجتمع والإعلام والأنشطة التي حوله كلها تقول إنه ربيع قادم وسيستمر كما تقول جدتي رحمها الله كسنين عيسى بن مريم، ولكن الصدمة كانت كبيرة خلال أزمة السوق وكان النزيف الاقتصادي مروعاً. التأثير لم يكن مقصوراً على الأفراد فقط بل على اقتصاد البلد. أيضاً الانهيار أدى بالكثيرين إلى الاكتئاب والقلق ونتيجة للضغوط النفسية زادت حالات ارتفاع ضغط الدم والسكري وحالات أخرى أوصلت الصدمة المالية إلى الموت. إن هذه الأزمة التي عصفت بالمجتمع برهنت أن معايير تخطيطنا لحياتنا ارتجالية وأن الأغلبية منا أصبح المال هو المحور الأساسي لحياتها.. المال ضروري وأحد مقومات الحياة وجانب مهم فيها ولكنه ليس هو كل الجوانب.. أن تخطط لحلمك رائع، وأن تكون للصعوبات أولوية في التفكير هو أول خطوات النجاح، لكل واحد منا نظام حياته الخاصة وهو أدرى بكيفية التحكم فكل شخص هو أولى بتحديد احتياجاته وهو المسؤول عن نتائج تصرفاته، ولكننا للأسف كمجتمع نتعامل مع قانون مجتمعنا الأزلي (مع الخيل ياشقرا). حقيقة قبل دورات تحليل الأسهم كان الأولى التعرف على أولويات الحياة وكيفية إدارتها وما هي حدود أحلامنا، وأن تكون أحلامنا عند العوم في هذا العالم ليست عشبية فقط مع اخضرار المؤشر بل أن يكون سؤالنا: كيف سنتعامل مع هبوط المؤشر وماذا سيتبقى لنا من أحلامنا عند ذلك، ما كتبته ليس تنظيراً بل هماً ترددت في التعبير عنه؛ لأن الكارثة لم تكن اقتصادية بحتة، بل إنها نزيف اجتماعي أثر في نسيج مجتمعنا، دفع وسيدفع الجميع ثمنه لزمن طويل.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved