هناك الكثير من تاريخ الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل - رحمه الله - لم يدوّن حتى هذا اليوم، وقد حفلت مجالس البادية بطرف من هذا التاريخ، حيث إن المجالس البدوية هي المدرسة التي يتلقى فيها ابن القبيلة العلوم الأدبية والاجتماعية؛ ففي هذه المجالس يجتمع الرجال حول بعضهم البعض ويتذاكرون الكثير من أخبار الماضي والحاضر، فمن أخبار الماضي يتذاكرون ما مر عليهم من أيام كانت سعيدة ومواقف حميدة تدعو المستمع إلى تذوق هذه الأمور وأخذ العبرة منها، فعادة ما يكون اللقاء في مجلس شيخ القبيلة أو بعض الرجال البارزين، فيعرف كل فرد مجلسه بحسب مكانته، فيعرف مكان الكريم لأجل كرمه وفضله، ومكان الشجاع الذي تبرز المواقف شجاعته، ومكان الشاعر الذي يكون شعره في خدمة القبيلة ويرفع سمعتها وبما يعبر عنه من أشعار تدعو إلى مكارم الأخلاق، وللحكيم مكان فهو الذي يقوم بالإصلاح ويتحمل سفاهة السفيه وأخطاء الجهال.
هذه المجالس تمر بشكل شبه يومي والحديث يكون على مسامع الجميع فيتلقاها الصغار والكبار والكل حسب ما وهبه الله من عقل وفطنة، فعادة يقوم أكبر الجماعة سناً بالحديث عن ماضي القبيلة ورجالها وأفعالها التي تدعو إلى الفخر والنزاهة فإذا مرَّ بسيرة رجل من القبائل الأخرى أثنى عليه بشجاعته إن كان شجاعاً أو كرمه إن كان كريماً ولم يغمطه حقه ولو كان عدواً للقبيلة فيتقبل المستمع هذا القول بالقبول والواقع والصراحة التي تعجب السامعين وعادة ما تكون الأحاديث عن ماضي القوم وحروبهم مع القبائل الأخرى، حيث كانت هذه الأمور سائدة فتجد المتحدث يقص عليهم تلك الوقائع بأمانة دقيقة وكأنه يخشى التعقيب على ما يقوله فلا يظلم أحداً ولا يبخس إنساناً من فعله.
وقد روى الشيخ عبد الله بن مصري آل وثيلة الذي أدرك أيام الملك عبد العزيز رحمه الله رحمة واسعة من الرجال الذين عاصروه الكثير من طرف تاريخ هذا الملك العظيم، حيث يقول المتحدث كنا مربعين في المكان الفلاني وما شعرنا إلا وقد جاءنا النذير وقال توجهت إليك القبيلة... قد توجهت إليكم بجيش وخيل تفوق قواتنا وعددنا فرحلنا في تلك الليلة وواصلنا الليل بيومه حتى إننا لم نطعم ذلك اليوم ولم ننزل إلا بعد أن بلغنا مكان كذا فيا لها من ليلة ويوم صعب. وعندما قربنا منهم أنخنا الإبل وقد ربطنا أفواهها حتى لا ترغي وعند الصباح شننا عليهم الغارة وأخذنا الإبل بعد قتال مر طاح فيه الكثير من الطرفين.
وتارة يقول عندما أغرنا على بني فلان وجدناهم على أهبة الاستعداد فهزمونا وغنموا بعض الركاب ومنعوا منا رجالاً ولم ينجو إلا القليل.
كل هذا وغيره جار حتى أذن الله بظهور بطل الجزيرة الملك عبد العزيز فزال هذا الواقع المر وانقشع الظلام وتذوّق الناس طعم الراحة ثم قال سأحدثكم بقصة أخرى من قصص عبد العزيز قال كنا في مكة نطوف بالبيت فما شعرنا إلا وعبد العزيز أخذ بستار الكعبة من جهة الحجر الأسود فرفع صوته وهو يقول: أيها المسلمون قولوا يا الله ثم قولوا يا الله ثم قولوا يا الله إن كان في حكمي صلاح الإسلام والمسلمين فإن الله يثبته وإن كان فيه ضرر على الإسلام والمسلمين فإن الله يزيله، قولوا آمين، قال فقلنا إن شاء الله يثبته وعرفنا قوة إيمان عبد العزيز وأن جهده وعزيمته لصالح الإسلام والمسلمين كما ثبت ذلك اليوم فيما نراه من عدل وأمان ورخاء في ظل هذه الأسرة الكريمة.
أخي القارئ لقد سمعنا من تاريخ الملك عبد العزيز - رحمه الله - من أفواه معاصريه فحفظنا بعضها وفقد الكثير ولكن بقي في أفكارنا صورة لحالة ذلك المجتمع فيما قبل ظهور عبد العزيز وقد حاولت أن أختصر هذه الفترة في كلمة قلتها في مناسبة المئوية مع قصيدة توضح تلك الأحداث، ونسأل الله أن يديم علينا هذه النعمة في ظل حكامنا المتتبعين خطى والدهم رحمه الله وحفظهم وحفظ لنا هذا الأمن والأمان الذي نعيشه اليوم إنه سميع الجواب وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
|