انحلت عقدة الجعفري، وأمكن للعراقيين تشكيل قيادات المؤسسات الرئاسية للعراق، فبعد تخلي إبراهيم الجعفري عن تشبثه برئاسة الحكومة العراقية بعد أن وجد أن الجميع لا يريده حتى جماعته الذين وجدوا إبقاء المنصب ل (حزب الدعوة) بدلاً أن يذهب بعيداً عنهم، فجاء ترشيح جواد المالكي الشخص الثاني في الحزب بدلاً من الرئيس، وبعدها توالت التفاهمات على اختيار المناصب الأخرى، فتم الإبقاء على جلال الطالباني رئيساً للجمهورية، والموافقة على نائبيه من السنة والشيعة، وترشيح رئيس سني لمجلس النواب ونائبيه من الشيعة والأكراد.
وسيكون أمام جواد المالكي مهلة تصل إلى شهر، وليس مفروضاً أن يستهلك الشهر بكامله لتشكيل حكومة تقبل بها الكتل الطائفية والسياسية، إذ ستواجه المالكي عدة صعاب وعراقيل؛ أولها: نوعية الحكومة، فهل ستكون حكومة وحدة وطنية كما يردد في العراق أو حكومة استحقاق انتخابي؟ وهناك فارق كبير بين النوعين، فإذا أريد للحكومة أن تكون وحدة وطنية، وهو ما يعني أن تكون حكومة كتل طائفية وأحزاب، أي تتمثل فيها كل الطوائف والأحزاب، وهذا يفرض أن تضم شخصيات من القوى الطائفية والحزبية التي لها تمثيل في مجلس النواب، وهو ما يطرح إضافة إلى نهج المحاصصة الذي أخذ يطبع العمل السياسي العراقي، ويعني أيضاً أن يكون هناك وجود للشخصيات العلمانية إلى جانب الشخصيات الطائفية، فالعلمانيون الذين لهم خمسة وثلاثون مقعداً من خلال نواب (الكتلة العراقية التي يرأسها إياد علاوي)، وكتلة الحوار الوطني التي يرأسها صالح المطلق، وتحالف هاتين الكتلتين اللتين تضمان الجناحين الطائفيين الرئيسين كانتا تسعيان إلى وجود أحد قادتها في مؤسسات الرئاسة، فرشح صالح المطلق إلى منصب رئاسة مجلس النواب، إلا أنه فشل في تأمين الأغلبية المطلوبة، فسحب ترشيحه لصالح محمود داود المشهداني، مرشح كتلة التوافق السنية، في حين رشح إياد علاوي لمنصب نائب الرئيس دون فرصة في الحصول على المنصب لأن نهج المحاصصة يفرض وجود نائبين، واحد سني وآخر شيعي، والمرشح الشيعي عادل عبدالمهدي أفضل حظاً من علاوي (العلماني الشيعي) كون عادل عبدالمهدي يحظى بدعم الائتلاف الشيعي، وإن توجه العلمانيين لتأكيد حضورهم في العملية السياسية يتجه للحصول على مقاعد في الحكومة من خلال الحصول على حقائب وزارية مهمة، وليست وزارات هامشية لإعطاء الحكومة صفة الوحدة الوطنية دون أن تكون مسؤولياتها موزعة على المشاركين، بحيث تكون نفس الحكومة السابقة (حكومة الجعفري) المنتهية ولايتها، ولا يتغير عن نهجها سوى الأشخاص، وهذا التخوف لا يتوجس منه فقط العلمانيون، بل أيضاً السنة والكرد، فالسنة يريدون وزراء يمثلونهم مثلما هم الوزراء الذين يمثلون الكرد، وليس وزراء يحظون برضاء الائتلاف الشيعي وينفذون أجندة الائتلاف، كما يصفون انقياد وزير الدفاع سعدون الدليمي، ولهذا فإن تشكيل الحكومة العراقية سيأخذ وقتاً طويلاً للاتفاق على أعضائها، وخصوصاً فيما يخص اختيار وزراء الداخلية والدفاع والمالية والنفط والخارجية والتخطيط، فالتنافس على هذه الوزارات ليس بين الشيعة والسنة والأكراد فحسب، بل وبين الكتل الشيعية نفسها، لأن الثورة الإسلامية (حزب عبدالعزيز الحكيم) يطالب بالاحتفاظ بحقيبة وزارة الداخلية، وشركاءه في الائتلاف يطالبون ب (حصتهم) في شغل وزارات السيادة.
وهكذا فإن ورطة الجعفري التي حلت ستخلفها ورطة تقاسم المناصب وفق إشكاليات المحاصصة الطائفية، وإضفاء صفة حكومة الوحدة الوطنية.. وهي إشكاليات تحتاج إلى وقت طويل لتجاوزها.
|