خنقتها العبرات وهما في ذلك الموقف، فراح يكفف دمعها وهو يشعر بأسى من اجلها.. انه أول افتراق.. وتطلعت اليه كأنها تستجديه أن لا يتركها.. وفي دموعها ألف معنى ومعنى وربت على ظهرها قائلا: سأعود سريعا.. لن يلذ لي طعم وانت بعيدة عني.. سأقطع دربي وازيل عثرتي حتى ألقاك وقد حققت ما تمنيت في ان تريني إنسانا متعلما.. لا تجزعي.. إني لا أحب ان ارى عينيك غارقتين في الدموع.. وليكن آخر عهدي بك ابتسامة حلوة تنسني ما انا مقبل عليه من فراق! ورحل!!
ولكن إلى أين؟! وفي نفسه خواطر شيء تتصارع بين العقل والعاطفة، وأمنيات جمة يود لو انه صعق بعضها ليستطيع العيش.. بدون ان يبتعد عنها فثارت في نفسه مشاعر الواجب الحق وتأججت، وبدأ يتطلع إلى خططه التي رسمها لينفذها.. ودخل خضم الحياة وابتلعه الزحام وسطها، ونسي كل شيء في غمرة اعماله حتى هي!!
رباه كم هو قاس! رسالة وحيدة تسلمتها منذ رحيله.. ترى هل اصابه مكروه هل نسيها بهذه السرعة! هل وجد من استطاعت ان تسلبه منها وان تجعله يسلوها! وراحت تبكي.. ولكن ما نفع البكاء! ثلاث سنوات مرت والامل لم يفارقها.. كانت تراه في بسمة الصباح، وضياء القمر ودفء الشتاء، رباه كم تحن اليه رغم البعد.. ورغم الجفا.. ورغم كل شيء،.. رباه لم حرمتني منه! هل لي ان عرف معنى العذاب ثانية اما كفاني ما لقتيه في حياتي قبل ان ألقاه؟!
وكانت ما تزال الدموع تملأ عينيها عند وقع نظرها على صورته، وحملتها بيديها الحنونتين وراحت تقول: ترى كيف أصبح الآن؟ ولكن لا يهم كل هذا.. المهم أن يعود!
وضاعت وسط سحابة من الأفكار السوداء، وأخذت تلوم نفسها لأنها هي التي دفعته الى اتمام تعليمه لتفخر به.. لتراه انسانا يشار له بالبنان.. ولكن ماذا حصدت من كل هذا! دموع وآلام لا تنتهي ونفس ينهشها القلق ويعذبها الحرمان.. ووسط تلك العاصفة ألقت بصورته على الارض وتهشمت وتبعثر الإطار هنا وهناك وضاعت صورته الحبيبة بين اكوام الزجاج، بينما راحت في نوبة من البكا.. وعاد وهو يحمل فيضا من مشاعره.. من حبه ليلقاها.. وفي يده نتيجة جهده وعمله وصبره.. وراح يمشي الهويني ليجعلها مفأجاه لها.. لم يبعث لها بشيء يخبرها عن قدومه.. وتابع سيره الوئيد في منزله.. ووصل إليها، واحست به، فرفعت راسها الصغير، وعينيها الغارقتين في الدموع كأنها لا تصدق!! هل عدت حقيقة؟ ونظر اليها والى صورته المحطمة على الارض بشيء من العتاب.. وادركت ما تعنى نظراته وقالت: لو انني علمت انك ستأتي يوم حطمت صورتك.. لفعلت ذلك يوم رحلت عني!... وجمعتها ضحكة الود والمحبة ومضيا!!
|