أولاً ليعذرني الدكتور عبد الرحمن العشماوي في إبداء وجهة نظري، بخصوص مقالته المنشورة في زاوية دفق قلم بجريدة الجزيرة يوم السبت الموافق 10 - 3 - 1427 هـ، بعنوان عمل المرأة.
مقال جميل وبصفتي امرأة مسلمة وأفتخر بذلك، وأؤكد بأنّني لا أنتمي للتيار العلماني أو الليبرالي، أو حتى الصحوي، لأنّني آمنت دوماً أنّ هذا الدين ما غفا يوماً حتى يصحو، فكلُّها مسمّيات ما أنزل الله بها من سلطان، وإنّما وُضعت من أجل أهداف دنيوية يتناحر عليها أصحاب هذه الاتجاهات، وكلُّ جماعة - كما يقول المثل الشعبي - (يقرب النار لقريصه)، متناسين أنّه {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (18) سورة ق، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (يأتي زمان يصبح القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار ...).
فلماذا لا يسمى الثابتون على دينهم في هذا العصر المتلاطم الأهواء بالقابضين! .. وإن لم يكن هذا موضوعي الرئيسي فأعود..
لأقول مَنْ قال يا دكتور عبد الرحمن إنّ مستقبل المرأة عندنا مشرق على الإطلاق!!
بل هو كحال الأجواء في هذه الأيام متقلِّب، فأحياناً يكون صحواً مشمساً وأحياناً يكون ملبّداً بالغيوم السوداء والرعود المزمجرة، والمرأة المسلمة بحق بين هذا وذاك، وللأسف فاليوم حين يفسح المجال فإنّه يكون لنساء لا يمثِّلن المرأة السعودية المسلمة الأصيلة المعتزة بدينها ووطنها وترابها الذي تعشق ذراته الصفراء!!!
تقول إنّك سألت مَن حولك من الأهل والجيران والأصدقاء، وقرأت مقالات مميّزة لكاتبات ملتزمات ونحسبهنّ كذلك والله حسيبهنّ، وتقول إنّ المرأة تركب أفخم أنواع السيارات .. وتأكل أرقى الطعام وتلبس أجمل الملابس، وهناك من العاملات والمعلمات من يذهبن إلى أعمالهن بنشاط وحيوية كلّ صباح، وأمهات يقبِّلن أطفالهن كلّ فجر مشرق قبل توجُّههم إلى مدارسهم!! .. كلام رائع وجميل، ولكنه متى يكون حقيقة أيّها الكاتب نعترف بها كما ورد في مقالتك، ونعيشه واقعاً ملموساً بمنتهى الصدق وبلا رتوش ... أعتقد فقط أنّ ذلك سيحدث لو طبّقنا تعاليم الإسلام بشكل صحيح بدلاً من دس رؤوسنا في الرمال كالنعام، فتزيين الواقع أيّها الشاعر وتنميقه لا يعالج وضعاً بقدر ما يزيد النقمة عليه!!
وكنت أتمنى منك لو وسّعت دائرة بحثك قليلاً .. وضغطت على نفسك ذات يوم .. وسهرت لتراقب ليلاً المعلمات اللاتي يخرجن من بيوتهن حوالي الساعة الثالثة فجراً في زمهرير الشتاء مع سائق تصارع عيناه النوم، وتتعلّق في رقبته أرواح بريئة لمعلمات ينتظر عودتهن أزواج وأطفال زغب الحواصل لا حول لهم ولا قوة .. فترى عن قرب واقع المعلمة التي أصبحت صورتها لا تكاد تفارق صفحات الحوادث .. ممزّقة الأشلاء مجندلة الأطراف على قارعة الطريق .. بين أكوام الحديد، وتحت عجلات سيارة لم ترحم كفاحها وسعيها نحو لقمة عيش شريفة!! فأيُّ واقع مشرق ملطَّخ بالدماء تعيشه المعلمة المكافحة .. ووزارة التربية والتعليم تغضُّ الطرف وكأنّ الأمر لا يعنيها!!
هل تعلم سيدي أنّ تلك المرأة المرفّهة التي يتحدث عنها بحثك، تدفع ربع راتبها كأجرة للسيارة كلّ شهر حتى تقطع بها أكثر من 200 كيلو متر ذهاباً ومثله عودة، ولك أن تتخيّل ذلك إن كان راتبها لا يتجاوز الأربعة آلاف ريال!! وفي أفضل الأحوال ... وبغضِّ النظر عن التعيين على بند الأمية الفاشل..!!
ثم نأتي للقرار الذي أصاب المعلمة في مقتل وأطاح بكلِّ أحلام الأمومة المنتظرة، حين تم تقليص إجازة الأمومة من شهرين إلى أربعين يوماً دون حتى عمل استبيان يؤخذ فيه وجهة نظر المعلمة أو يستأنس برأيها، وفي الوقت الذي كنا ننتظر زيادة الإجازة إلى ثلاثة أشهر كحال بقية العاملات في كثير من الدول نفاجأ بهذا القرار .. المجحف بحق الأم وجنينها الصغير!! فأيُّ واقع مشرق تعيشه المعلمة!! وهي ترمي بقطعة منها بعد أربعين يوماً .. في دور الحضانة، أو تحت رحمة خادمة لا ندري ما تفعل به في غيابها؟؟
وفي حين نرى التنديدات التي تحارب مساواة المرأة بالرجل .. يصدر مجلس الشورى قراراً غريباً يساوي فيه بالإجازة الاضطرارية بين الرجل والمرأة وكأنّ المرأة لا تعتريها ظروف خاصة تحتاج فيها إلى الإجازة الاضطرارية كلّ شهر!!! وكلُّ لبيب بالإشارة يفهم!! ولكن صدق من قال:
وقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي |
وأعود لأقول ...
كفلها لها الإسلام فهي المرأة الموظفة .. المنتجة .. المبدعة، المصانة .. الحاصلة على جميع حقوقها الإسلامية .. الأم المربِّية سواء كانت في ذمّة زوجها أو مطلّقة أو أرملة، نريد أن تكون المرأة قوية بإسلامها، بمعرفة ما لها وما عليها في شريعتنا الغرّاء .. أمّا أن يفرض علينا معشر النساء زعيمات يطالبن بحقوق ما أنزل الله بها من سلطان، فذلك ما نرفضه جملة وتفصيلاً، فكيف نقارن بين أنامل أُم فلاّحة عفويّة تشقّقتْ من العناء والكدِّ، وبين أنامل مترفة تنظر بين الحين والآخر إلى أظافرها لئلا تتكسر ... ثم نقول إنّ هذه تطالب بحقوق تلك .. رجاءً اصمتوا فلسنا بحاجة إلى المزيد من المهازل التي تدمي القلوب!!! عفواً دكتور عبد الرحمن العشماوي ..
أعود لأقول بل أؤكِّد أنا لست علمانية .. ولا ليبرالية .. ولا حتى صحوية، فقد آمنت دوماً وأبداً أنّ الدين الإسلامي ما غفا يوماً حتى يصحو..!!
ولكنّي امرأة .. قرويّة .. يؤلمني أنّ هاجس الكمال الذي نسعى وراءه يجعلنا ننمِّق أوضاعاً على وشك الانهيار .. فدعونا نواجه ما نخشاه بدل أن .. نظل نخشى ما قد يواجهنا ...!!!
سلوى حسن العضيدان /محافظة الغاط |