الساحة الفلسطينية.. أزمات ومبادرات

في الساحة الفلسطينية المضطربة التي يزيد من تأجيج أحوالها سياسيات إسرائيلية مرتبة باتجاه إرباك الأوضاع وصرف الأنظار عن فظائع الاحتلال فمن المهم ملاحظة أن ثمة إيجابيات ينبغي العض عليها بالنواجذ وعدم السماح بضياعها في زحمة الهموم اليومية والأزمات الخانقة.. فالبيان الذي أصدرته عدة فصائل مسلحة باستعدادها لمد يد العون إلى الشرطة الفلسطينية في مواجهتها للانتهاكات الأمنية يعبر بوضوح عن صورة مثلى قد تغيب عن هذه الساحة المثخنة بالجراح، لكن في الوضع الحالي فإن البادرة تشكل نقلة سياسية ينبغي تعزيزها باعتبار أنها بلورة عملية للوحدة الوطنية وشكل متقدم للممارسة العملية الجماعية التي من شأنها إعادة قدر من العافية للتحرك الفلسطيني المشترك.
هذا الاهتمام وهذا الحرص على الشكل المتطور للمبادرة ينطلق من خلفية القلق على التجربة الديموقراطية الفلسطينية وهي تواجه تحديات جمة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فالضغوط الخارجية التي تتصدرها إسرائيل والولايات المتحدة في تحالف ضم أيضا دولا غربية انعكست في شكل أزمات خانقة في الداخل لعل أبرزها عجز الحكومة عن صرف مرتبات شهر مارس بينما يقترب حاليا موعد صرف استحقاقات أبريل ما يعني أن الظروف الصعبة أصلا مرشحة للتفاقم بما يعمق من حجم المأساة الإنسانية.
وقد بدت تصرفات يائسة تظهر في الساحة الفلسطينية لعل أخطرها الاحتجاجات المسلحة التي تقوم بها بعض الجهات الأمنية في إطار المطالبة بحقوقها من الرواتب، ووجود السلاح مع هؤلاء في ظل الحساسيات القائمة أصلا في الجانب السياسي يعني اللعب بالنار، وتكرار الأمر بهذه الصورة يشير إلى إمكانية تطوير نوع من التوجه المرفوض وصولا إلى النهايات العظمى المأساوية لمثل هذه المظاهرات المسلحة.
وفي الذهن دائما حالة الشد والجذب بين حكومة هنية والسلطة التي يمثلها محمود عباس بما في ذلك الجدل المتنامي حول الصلاحيات ومدى انتقاصها أو الاستحواذ عليها من قبل هذا الجانب أو ذاك، وكل هذه عناصر يمكن أن ترفع من درجة التوتر وتغذية نوايا الانفلات الأمني من قبل البعض لإشعال كامل الساحة إما تنفيذا لحسابات محلية تغلبت عليها النظرة السياسية القاصرة أو في إطار تصفية حسابات بين الأجهزة الأمنية العديدة في ظل وضع يعتريه المزيد من الارتباك.
وفي كل الأحوال فإن إسرائيل هي المستفيد خصوصا إذا استمرت حالة الفلتان هذه، لكي تقول إن الفلسطينيين غير قادرين على الحفاظ على أمنهم، فهي تترصد كل سانحة من أجل الترويج لكل ما يطعن في كفاءة الصف الفلسطيني، ومن المؤكد أيضا أنها لن تفوت التفجير الذي حدث أمس في تل أبيب لكي تضيفه إلى جملة المسوغات لمقاطعة الحكومة الفلسطينية، متناسية في ذات الوقت فظائعها التي ترتكبها يوميا بحق الشعب الفلسطيني فضلا عن احتلالها المقيت المتواصل عبر السنين لفلسطين الذي تغض الدول الكبرى الطرف عنه.