ثمة من سعى جاهداً وراء السعادة الزائفة أغلقوا دونهم باحة الرقيب وطفقوا يلهثون وراء السراب.. تجربتهم واسعة لكل ما هو مخالف، اهمال الأهل والفراغ واصدقاء السوء أوصلهم في النهاية الى مكان قصي يبعد عما سعوا إليه مساحات ومساحات. أماكن لم يتخيلوا يوماً زيارتها في ظل انجرافهم لتحقيق سعادتهم.. هؤلاء باختصار هم نزلاء يقضون أوقاتهم الآن خلف القضبان داخل اصلاحية الحائر، زارتهم الجزيرة وحاورتهم في هذه المساحة فماذا قالوا:
بداية يروي النزيل (ع.ع) موظف سابق بشركة الكهرباء قصته التي أوصلته خلف القضبان بداية بتعاطي المخدرات مع تشديده على مقولة (اختر الرفيق قبل الطريق) قائلاً: قمت بتعاطي المخدرات مع مجموعة من اصدقائي (رفقاء السوء) واستمرار التعاطي معهم باستمرار فجميع من حولي من الأصدقاء يتعاطون المخدرات، ومع زيادة التعاطي وصلت لمرحلة لم استطع توفير المخدر فقمت بالترويج حتى اتمكن من خلاله توفير المبالغ المالية الكبيرة لشراء المخدر خاصة وان المخدرات تتطلب سيولة مالية لا تتوفر في كل الأوقات واستمريت بالترويج وكانت حياتي وقتها أشبه بالضياع بعيدة عن السعادة والحياة الطبيعية الى ان تم القبض علي بتهمة الترويج وبعد دخولي لإصلاحية الحائر وقضائي مدة من الزمن تاب الله علي وأحسست بالندم على الأيام الماضية التي ضاعت من عمري من ضلال ودمار، كما انني استطعت الاستفادة من الدورات والبرامج التي يتم توفيرها للنزلاء والمهن التي يتطلبها سوق العمل، وحصلت على شهادات خبرة في بعض المجالات المتعددة داخل الاصلاحية كدورات الحاسب الآلي والخياطة والكهرباء حتى استطيع مواجهة المجتمع بعد انتهاء مدة عقوبتي وخروجي من الإصلاحية ومصمم على ان أكون عضواً صالحاً في مجتمعي وسأقوم بفتح ورشة خاصة بي لمزاولة المهن التي تعلمتها داخل الإصلاحية وان اسلك الطريق الصحيح.
فيما يضيف النزيل (م.ع) ذو العشرين ربيعاً قائلاً: ان البيئة المحيطة بالشخص والفراغ هي من تحدد سلوكيات الفرد (عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي) فإذا صلحت بيئة الشخص صلحت حياته ومستقبله والعكس صحيح، فقد قمت بتعاطي المخدرات وأنا أدرس في المرحلة المتوسطة بالصف الثالث مع شباب الحارة وبما انني كنت طالباً فلم يكن مصروفي قادراً على توفير المخدر مما جعلني أقوم بالترويج لتغطية تكاليف التعاطي لتوفير السعادة الزائفة التي كنا نبحث عنها ولكن لا يصح إلا الصحيح والرجولة التي كنا نريد إثباتها بهذا التعاطي في ذلك السن لم تجلب إلينا الا الضياع والدمار والسمعة السيئة، ولكني لم أدرك كل هذه الأمور إلا بعد القبض علي بتهمة الترويج ودخولي للاصلاحية، وكوني شخصاً قمت بتجربة المخدرات وسلكت طريقها الذي يأتي بالمتاعب، أنصح جميع الشباب بالابتعاد عنها وعن رفقاء السوء الذين يتعاطونها حتى لا يصلوا لهذا المكان وهذا المصير..
فيما يؤكد النزيل (م.د) المسجون بتهمة القتل لأحد العمالة ان الشخص عندما يقع تحت تأثير المخدرات يمكن ان يرتكب أي نوع من المخالفات كالقتل او السرقة او الاختلاس.. وبدون وجود سبب يدعو لذلك وهذا ما حدث لي فقد قمت بالتوجه الى مزرعتي كعادتي ولكني هذه المرة كنت تحت تأثير المخدرات وكنت متعاطياً لكمية من الحبوب المخدرة وعند وصولي للمزرعة وجدت سيارة أحد العمال واقفة بالقرب من مزرعتي وطلبت منه إبعاد السيارة من هذا المكان وحصلت مشادة معه وتلفظنا بألفاظ غير أخلاقية نتج عنها ان توجهت في حينها الى سيارتي وأخرجت رشاشي منها وقمت بإطلاق خمس رصاصات على العامل وتركته وغادرت الموقع دون ان استوعب ما يحدث أمامي وما قمت بارتكابه.. ويضيف النزيل (م.د) قائلاً: ان تعاطي المخدرات تسبب لي في الكثير من المشاكل العائلية التي لا أحب ان اتطرق إليها! وأحب ان أُعلم الجميع بندمي الشديد على ما وقع مني في الأيام الماضية وتحسن حالتي بعد دخولي للاصلاحية التي استطعت من خلالها اكتساب بعض المهن الموفرة للنزلاء والراحة النفسية التي أشعر بها حالياً وأقول لكل الشباب اتقوا الله في أنفسكم واسلكوا الطريق الصحيح حتى لا تندموا على ما يحدث بعد ذلك إن شاء الله.
وخلال جولة (الجزيرة) بإصلاحية الحائر التقينا أحد النزلاء (ف.هـ) الذي أكد لنا اهمال الوالدين لابنائهم هو أحد الأسباب الرئيسة في انحراف الشباب فالحرية المطلقة للشباب خطأ كبير وآثارها السلبية كثيرة وبالتالي فلا بد من المتابعة من الوالدين للأبناء وتنظيم أوقات تواجدهم بالمنزل والاستفسار عن اصدقائهم وعدم التهاون في صغائر الأمور حتى التدخين.. ويؤكد النزيل (ف. هـ) ما سبق الاشارة اليه بلجوئه لترويج المخدرات بعد تعاطيه لها لتغطية تكاليفها ويقول: كانت لدي حرية كبيرة في حياتي في ظل غياب الرقيب (الوالدين) بدأت بالتدخين وعند معرفة أهلي بذلك لم يبدوا اعتراضاً على ذلك وكنت مع بعض الشباب نجتمع في منزلي وبمعرفة الأهل ونقوم بالتدخين وصولا لتعاطي الحشيش، وما شجعني على الاستمرار أنه لم يكن هناك من يحاسبني او حتى يسألني عن أحوالي وأوضاعي وعن أصدقائي الى ان تم القاء القبض علي لترويج المخدرات وبالرغم من الحرية التي كنت أعيشها إلا أنني كنت دائماً غير مستقر نفسياً ولم أشعر بالراحة او حتى الاستمتاع بما كنت أقوم به اضافة الى العزلة التي أعاني منا وعدم اختلاطي مع الناس بسبب التعاطي، وهنا أحب ان أشير واركز على ضرورة المتابعة للابناء التي تساهم بشكل كبير في تصحيح مساراتهم واختياراتهم لأصدقائهم.
فيما يشير النزيل (ع.ق) الموقوف بتهمة السرقة ان السبب الرئيسي لارتكاب المخالفات هو البعد عن الله وضعف الوازع الديني إضافة الى الخلل الرئيسي وهو رفقاء السوء مع اهمال الأهل وشفقتهم علينا، فقبل القاء القبض علي بتهمة السرقة لاتمكن من توفير قيمة المخدرات، كنت بعيدا عن جميع أوجه الخير والاحسان وكانت الحيرة والتيهان يلازمان لحياتي اضافة الى شعوري الدائم بضيق النفس ولم أستطع يوما الاستمتاع بما أعمله، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} (124)سورة طه.
أما بعد دخولي للاصلاحية وبفضل البرامج وعلماء الدين الذين يزوروننا باستمرار في الاصلاحية رجعت الى الله وحافظت على الصلاة وقيام الليل وتغيرت حياتي للافضل ففي السابق كان همي الأكبر والوحيد هو كيف استطيع توفير المخدرات أما الان فتغيرت حياتي وأصبحت إنساناً طموحاً ومتفائلاً بالمستقبل، وعلينا جميعا التقرب من الله وارضاء الوالدين لان رضا الله من رضا الوالدين الى ان نصبح شباباً يعتمد عليه في هذا البلد المعطاء ونقوم بخدمة بلدنا وأمتنا.
|