Thursday 30th March,200612236العددالخميس 1 ,ربيع الاول 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

عندما يرحل الرجال الأخيار عندما يرحل الرجال الأخيار
محمد إبراهيم فايع*

أبدأ بقولي والله لا يحزنني مثل سماعي برحيل الرجال الأخيار، وما أكثرهم نراهم في مجالسنا في مساجدنا في الميادين الوظيفية ونراهم وقد تخطوا الستين وبعضهم شارف السبعين أو ناطح الثمانين وما زالت في عقولهم وقلوبهم صفاء الدين ونقاء العقيدة وسعادة وأمل وتفاؤل هؤلاء سرعان ما نسمع برحيلهم فجأة عن دنيانا فيلفنا الألم ويطوينا الحزن ونعيش نعيد رحيلهم نغالب الدموع ونتجرع الأسى على فقدهم بعضهم لا تربطنا به صلة القربى ولكن تجمعنا به وشائج الدين وعلاقات المجتمع والعمل وبعضهم من كبارنا الذين نجلهم ونحبهم ونقدرهم ونراهم كالأنوار المضيئة في كلامهم ونصائحهم وفي سيرهم وخبراتهم وتجاربهم، ولأن الدنيا محط وارتحال، فالبارحة فقدنا شيخ مسجدنا العم ظافر الشهري رحل وقد تخطى السبعين .
ولكنه عاش سبعينية بروح الشباب حتى وهو يصلي كان في ركوعه وسجوده مثلنا في صبره واحتماله، كنت أراه عندما يرصد موقفاً لم يرق له كأن يسمع جوالاً ونحن نصلي أو يرى كسل بعضنا عن الجماعة في المسجد أو من يدخن السجائر كان يستهل حديثه بصوت تجمله بحة وهدوء بقول الله {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، كان يخرج النصح بألم وحرقة وتعب لما يلمسه في المجتمع من صور النزق الاجتماعي.
عرفه الناس في المسجد فأحبوه إماماً وجاراً للمسجد في نظراته عقب كل صلاة تساؤلات عمن حضر مسجدنا ومن غاب ولعل غيابه خير، رحل محدثنا وتركنا في لوعة من الأسى، قلت لأولاده لن تبكوه مثلما سيبكيه مسجده ومصحفه والحامل الخشبي لمصحفه وسيبكيه قبلكم من عرفه فكان أول الباكين عليه (سائقه الهندي) لأنه رأى فيه ملمحاً من ملامح التعامل الإنساني الذي يعلمه الإسلام لأبنائه وتمثل فيه مواقف الرسول- صلى الله عليه وسلم- مع مواليه وجيرانه وبني قومه ومع أعدائه كذلك.
كان يعيد تكرار الآيتين: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}، عندما يؤمنا وذلك ليلفت فكر المصلين إلى معناهما اللذين لا يحتاجان لشرح كبير خاصة، وقد اشتغل الناس بدنياهم، لا أنسى منظره وهو يسابق الخطى نحو المسجد، وقد زانت وجهه لحية كثة بيضاء تحكي سنوات عمره وملامح بريئة بمسحة طفولية لا يمكن لي أن أنسى طرق عصاه في المسجد عندما يدخل حتى يصل المنبر فيرميها أمامه، ولا يمكن لي أن أنسى خشوعه عندما يستقبل، ربه وكنت أسترق النظرات من بين المصلين لأرقبه كل هذا ولا يمكن لي أن أنسى النظر المهيب عند قبره عندما توافد محبوه وأقاربه وجيرانه وجميع من عرفه فالتفوا حول وداعه، كان دليل محبة.. وشهادة خير للعم ظافر، هكذا يكون مشهد حسن الخاتمة لقد سألت الله حسن الخاتمة.
وفي المقبرة طال بي التفكير وأنا أرى مشاهد القبور، وقد تنوعت في طولها وقصرها، وكيف قد ساوى الموت بين أصحابها أغنياء وفقراء كبارا وصغارا ليت كل واحد يقف طويلاً عند باب المقابر ليتأمل المشهد.. ليقرأ ملامح حياته ثم يحاسب نفسه على ما مضى، ويقرر ما يجب عليه فيما تبقى من حياته فنحن ندرك ونؤمن بأننا ذات يوم مفارقون.. نعم حتمية الموت ووداع الحياة.


لا تأمن الموت في طرف وفي نفس
ولو تمتعت بالحجَّاب والحرسِ
واعلم بأن سهام الموت نافذة
في كل مدّرع منا ومترسِ

حنيننا للشباب وعهد الطفولة وملاعب الحارة ودروب القرية يجب ألا تنسينا ما نحن فيه أو ما سوف نصل إليه من مرحلة عمرية إذا ما عشنا إليها عندما تنحني الظهور وتمضي الدهور وتداهمنا أعراض الشيخوخة وترحل الصحة ويغادران الشباب ويغزونا الشيب.. بل يجب أن نستثمر الشباب والفراغ والصحة، وأن نعمل للآخرة ونتلذذ بدنيانا وفق ما شرع الله لنا ونعيش دوماً حالة من التأمل والتدبر وحقا قول الشاعر:
إن عمر المرء ما قد سره
ليس عمر المرء مر الأزمنة
لنغتنم العمر فهو لا يعود مرتين، نسأل الله حسن الخاتمة وللأموات الرحمة وعزاؤنا فيمن نحب ذكراهم العطرة.
خميس مشيط

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved