القمة واللعبة الإسرائيلية المتجددة

عشية إسدال الستار الختامي على وقائع القمة العربية، بدأ عهد جديد في الحياة السياسية الإسرائيلية، وهو جديد في الظاهر فقط بينما المحتوى هو ذات المحتوى الذي ينطوي على ذات الطروحات الصهيونية المتوارثة عبر الاجيال المتتالية لبني صهيون..فقد بدأ إيهود أولمرت عهده الجديد بكذبة كبرى عنوانها: الانسحاب من أراض محتلة، لكنه لم يشأ إلا أن يدعم كذبته بأخرى تقول: إن الأراضي التي سنتنسحب منها إسرائيل هي أراض إسرائيلية بل وعزيزة لدى إسرائيل، وهو بذلك يبدو كمن يبذل قصارى جهده من أجل إطلاق عملية التسوية..وفي حقيقة الأمر فإن اولمرت التلميذ الوفي لشارون لا يخرج كثيرا عن إطار العقلية التي هيمنت على إسرائيل طوال عقود من الزمان، وهي عقلية أهم سماتها النظرة الاستعلائية الجوفاء والكذب إلى جانب الاستعداد لسفك الكثير من الدماء كلما لاحت فرصة إلى ذلك، لكن الفرصة الآن هي فرصة تقديم النفس إلى الآخرين والتعارف، وكل ما تشمله مقتضيات الظهور الجديد، ولهذا فإن النزعة الدموية يتم كبتها لحين تثبيت القناع الجديد الذي لم يستطع، رغم كل شيء، إخفاء وجه إسرائيل البشع، فسرعان ما بدت الأنياب الشريرة من أحد أطراف القناع عندما بدأ اولمرت يكذب بشأن أراضي الضفة الغربية..
واستبقت القمة التي انفضت أمس في العاصمة السودانية فوز حزب اولمرت برفض خطته الانفرادية لرسم الحدود والتي تتجاوز كل مبادرات التسوية من خلال القفز إلى المراحل النهائية، فهو يحتفظ بالكيانات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية ويتعهد أمام ناخبيه بعدم إعادتها إلى الفلسطينيين بينما يبدو (سخيا) وفقا لمقتضيات الصورة الجديدة عندما يتحدث عن التخلي عن مستوطنات معزولة للفلسطينيين..
والكلام الذي قيل في القمة بشأن مخططات اولمرت الجديدة هو كلام مهم، لكنه يصبح كلاما له عضلات وأسنان عندما يتعهده العرب بالرعاية والمتابعة والتنسيق فيما بينهم لإيصال صوتهم إلى دوائر القرار الدولي وبالطريقة التي تقنع القوى الكبرى بأن العرب جادون هذه المرة في استعادة حقوقهم، ويمكن للآخرين التأكد من قوة العزم عندما يصبح التناغم والتعاضد هو سمة العمل العربي المشترك، وعندما تتوحد الرؤى حول القضايا المصيرية بدلا من أن تتبدد الجهود في المسائل الخلافية.