Thursday 30th March,200612236العددالخميس 1 ,ربيع الاول 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"منوعـات"

نوافذ نوافذ
عمارة يعقوبيان
أميمة الخميس

لو تجاوزنا مراحل البدايات في الرواية المصرية على يد محمد حسين هيكل لكان هناك العديد من المحطات التي يتوقف عندها المتابع قد يكون من أبرزها رواية نجيب محفوظ ومن ثم نتاج إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي، انتهاءً بجمال الغيطاني وإدوارد خراط اللذين عبَّرا عن محطة مهمة في الرواية المصرية، إلى أن نصل لتخوم رواية عمارة يعقوبيان لعلاء الأسواني التي أرى أنها إحدى المحطات المهمة في الرواية المصرية الحديثة.
الروائي علاء الأسواني يعمل طبيباً للأسنان، وكتب الرواية في أوقات كان يسرقها من وقته المزدحم كما يذكر في مقدمة الطبعة الثامنة من الرواية، وكأنه بهذا يشير إلى طبيعة المأزق العام الذي يعبر عنه ذلك المناخ الأدبي والفني الشحيح والعاجز عن تقديم ضماناً اقتصادياً لمحترفي مهنة الأدب.
والرواية عموماً عبارة عن مشاهد متلاحقة مزدحمة بالصور والشخصيات المقهورة المذبوحة تحت واقع الظرف الاقتصادي الحالي في مصر، وكأن الرواية في مجملها تتحول إلى صيحة (SOS) من ربان تغرق سفينته.
فالرواية تفجعك بطبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة هناك، وكمية العنف والقهر المنتشر في الشوارع والأحياء، والتعسف الذي يُمارس ضد الكثير من الطبقات المسحوقة، وشبكة الفساد المستشري بشكل يصعب مقاومته أو حتى مواجهته؛ حيث الزائر العادي لمصر يبقى مغلفاً قصياً داخل فنادق الخمسة نجوم التي تبقيه بمعزل عن الاستماع إلى ذلك النحيب المفجع الصادر عن الشارع.
الرواية على المستوى الفني لا تحوي الكثير من التعقيد أو الصنعة، وكأن مادة الكلام ومحتواه لا يحتملان التأنق أو التجمل، بسيطة ومباشرة سواء على المستوى اللغوي أو السياق السردي، لكن مكمن إبداع الكاتب ظهر في قدرته على التقاط شخصيات المجتمع الحقيقية النابضة بالحياة ورصفها في الرواية بصورة متجاورة لتشتبك أقدارها بصورة عجيبة، معبراً من خلال هذا كله عن التحولات الكبيرة التي طرأت على المجتمع المصري في العقدين المنصرمين.
لكن هذا أيضاً لم يمنع الكاتب من وقوعه في بعض النمطية المعروفة والمتداولة على المستوى الفني وصولاً إلى الأفلام والمسلسلات، إذ لا بدَّ أن يكون الصعيدي شهماً وابن بلد ولكن بدماغ مقفل، ولا بدَّ أن تكون الطبقة الثرية القديمة أو ما تبقَّى منها هم شخوصاً منحدرين أخلاقياً وسلوكياً ومع ميل دائم لاستغلال الطبقة الفقيرة أو المعدمة لحساب نزواتهم ومجونهم، مع وجود الطبقة الريفية محدثة النعمة التي سيطرت على الاقتصاد عبر الطرق الملتوية والتجارة المحرمة، وشبكة واسعة من الفساد تسيطر على المجتمع هناك. جميع هذه الرموز التي برزت في الرواية لا تحوي أي جديد أو مدهش داخلها، فهي لطالما مرَّت علينا عبر الروايات والأفلام المصرية. أيضاً الرواية تبدو من ناحيةٍ وكأننا نرى مجموعة من حرافيش حارة نجيب محفوظ ولكن بزي إفرنجي وقانون متوحش قادم من الغابة.
لكن قدرة الأسواني تبرز عبر جمعه كل تناقضات المجتمع المصري من خلال سكان تلك العمارة الواقعة في شارع طلعت حرب وسط البلد، جميع المتناقضات التي تذهل القارئ وتفجعه لقسوتها وعنفها والدموية التي من الممكن أن يصل إليها البشر ضد بعضهم البعض.
رواية يعقوبيان تبرز نوعاً من الأدب الواقعي الصادم لوعي القارئ ونمطية المشهد الذي تقدمه الواجهات الأمامية للمجتمع في مصر؛ لتتحول على الرغم من جميع ما سبق إلى إحدى المحطات المهمة في الرواية المصرية الحديثة.
بقي الآن أن نقدِّر (مقابل هذا الكم من السلبيات الاجتماعية التي تبدو من خلال صفحات الرواية) السقوف التي وصلت إليها حرية التعبير في مصر، والمواقع المتَّسعة للكلام التي تطول أكبر الرموز في مصر بشكل مباشر وأحياناً موارب وبطريقة الطرح الفاضحة القادرة على إبراز جميع أعراض المرض إلى أقصاها.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved