Thursday 30th March,200612236العددالخميس 1 ,ربيع الاول 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"محليــات"

هذرلوجيا هذرلوجيا
..ورحل المُعلِّم
سليمان الفليح

نحن نعرف أن (حضور) المعلم في حياة المرء يقتصر على المراحل الدراسية إذ يكون هذا الحضور مجسداً في النمذجة والاقتداء ولربما التقمص حينما يبلغ هذا الحضور مداه الأقصى في حياة (المرء - الطالب) وحينما يغادر الطالب مقاعد الدراسة يتخذ أنموذجاً آخر لربما يكون والده أو صديقه أو شخصية عامة أو نجماً اجتماعياً يتوارى خلف ظل هذا النموذج، نموذجه الأول - المعلّم - وهنا ينتهي حضور المعلم إلاّ لربما في الذاكرة، أما أن يبقى حضور المعلم في حياة الفرد ولربما يمتد هذا الحضور إلى المجتمع الذي ينتمي إليه هذا الفرد بل يتعداه إلى حضور وطني قلما يحظى به معلم، فهنا تكمن الدهشة النادرة المبهجة وهذا بالضبط ما حققه معلمنا الراحل الكبير عثمان الصالح تغمده الله بواسع رحمته. فمنذ عهد الفلاسفة الرومان والإغريق لم نسمع أن أحداً حظي إلى الأبد بلقب المعلم بل والمربي الفاضل مثل فقيدنا العزيز - طيب الله ثراه - إذ لا يمكن لأي مواطن سعودي أن يلفظ اسمه مجرداً ما لم يقرنه بالمربي الفاضل بل إن كل من قام بواجب عزاء أهله وذويه وأولاده من الشعب السعودي كان يقول بدلاً من (أحسن الله عزاءكم) (أحسن الله عزاءنا فيه) أي أن الراحل الكبير كان يعني كل الشعب وكأنه الرمز الأزلي الخالد للمعلم في كل مراحل الحياة. وأبوناصر رحمه الله كان يعني الجميع بل وكل من عرفه عن قرب إذ إنه كان يتصف بالكرم والطيبة والأبوة ورحابة الصدر وحب المساعدة والنظرة المستقبلية وفهم واستيعاب كل التطورات الفكرية والاجتماعية في الحياة. وقد آمن بالتواصل مع تلامذته ليضيف إليهم تلامذة جدداً من كل جيل وذلك عبر ندوته الشهيرة (الإثنينية) التي كانت تحوي كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والأدبي مهما اختلفت الألوان والاتجاهات والأطروحات. وكان صدره فضاءً رحباً لكل اختلافات الرأي فهو يحترم رأي الشاب مثلما يحترم رأي الكهل ويتابع كل نتاج جديد ويحتضنه بكل أبوة ومحبة مهما اختلف معه وذلك كله يعود إلى إيمانه العميق بالتطور والتحديث والقفز على عوائق الجهل والتجهيل وهذا هو بالضبط ما وسم مسيرته في الحياة.
ومن هنا أعتقد أنه انتزع صفة الفضل والفضلاء من قلوب الناس، لذلك لا غرابة أن ينعاه قبل أهله وذويه طلابه الفضلاء مثله أصحاب السمو الأمراء خريجو معهد العاصمة النموذجي الذين قام بتدريسهم. وهذا برأيي المتواضع وفاء نادر يسديه الحكام إلى معلمهم الأول وهو أمر قلما يقوم به من يعتلون المناصب ثم ينسون أقرب الناس إليهم في الحياة ولكن ما أقدم عليه أصحاب السمو من نعي وفيّ لمعلمهم لهو وفاء نادر في هذا الزمان وإن كان المرحوم أبو ناصر الصالح يستحق كل ذلك من لدن هؤلاء الأبناء الأوفياء الذين يكشفون بهذه اللفتة النبيلة عن نقاء معدنهم الأصيل الذين ليس بمستغرب عليهم هذا الائتلاف.
***
يبقى القول أخيراً أننا فقدنا علماً من أعلام هذا الوطن العزيز ولكننا بالطبع لن نفقد مآثره وآثاره ومأثوراته إلى الأبد.. فرحم الله فقيدنا العزيز عثمان الصالح البدري الأشجعي العنزي.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved