افتقدنا بالأمس القريب شخصاً عزيزاً على الجميع إنه الشيخ: عثمان بن ناصر الصالح، وبفقده يخسر الوطن واحداً من رموزه الثقافية التي ساهمت على مدى عقود من الزمن في استلهام العبر من تاريخ الماضي، وبوفاته عم الجميع الحزن وبالغ التأثر، ولكنه أمر الله الذي لا يقابل بغير التسليم وقضاؤه الذي ليس له عدة سوى الصبر الجميل، وأجد لزاماً علي أن أرثيه - رحمه الله - ليس ذلك من باب الوفاء لأهل العطاء فحسب، وإنما لنستلهم أيضا من مسيرته التربوية والثقافية دروسا نحن اليوم بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى، ومهما كتبت عنه فلن أوفيه حقه لأنه عندما تكون الكتابة في رثاء عزيز مثل هذه الشخصية فإنه تعز المفردات وتضيع الكلمات. حقاً ما أصعب أن يكتب الإنسان عن شخص كان مربياً معلماً، عرف بحبه الشديد للعلم، يحث طلبته ويشجعهم في حب العلم كنتيجة طبيعية لحبه لهذا الوطن.
عثمان الصالح في رحاب العطاء الوطني ذاكرة سعودية أنجزت وحققت الكثير وظلت تطور وتضيف للحياة الثقافية حتى آخر لحظة.. واكب أحداث أمته ووطنه، إنه ذلك القلب الكبير الذي حمل حبا جماً لهذا الوطن وأهله طيلة حياته المليئة بالإبداعات والإنجازات الثقافية، وما تقدير الدولة له إلا دليل على ذلك، إنه مدرسة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فقد أرسى قواعد وأساليب في التربية، وحاز فعلاً على لقب المربي الفاضل الذي كله إخلاص وتفان.. كان شيخاً ومعلما قديرا ومربياً فاضلاً، علمنا ما لم نكن نعلم، ساهم في بناء جيل واع مسلح بالعلم قادر على تحمل الأعباء، وما رحل إلا وقد أينعت النبتة التي غرسها، وأثمرت الشجرة التي زرعها حتى أصبح أصلها ثابتا وفرعها بالسماء تؤتي أكلها كل حين، إذ أصبح معظم من نهل من مدرسته من رجالات الدولة الذين يعتمد عليهم، ويشار إليهم بالبنان في المحافل الدولية.
لم تكن - رحمك الله - واحداً كسائر الآحاد بل كنت ينبوعاً متدفقا للرجولة وقلباً حنوناً خافقاً بالحب لكل من يقومون بزيارتك، كنت - رحمك الله - تضفي على كل من يزورك طابع السرور، عرفت فيك سماحة النفس وطيب المعشر وسعة الاطلاع وغنى المخزون الفكري، كنت كلما أزورك أجدك موسوعة ثقافية متكاملة، قامة كبيرة في كل مجال دون منازع وصاحب أصالة، وكلما أخذت رأيك - رحمك الله - في موضوع، وجدتك الناصح الأمين الذي لا يتوانى عن تقديم النصيحة لمن يطلب المشورة منه.. اكسبك تواضعك وأدبك الجم احترام جميع الناس ومحبتهم.
لن أنساك - رحمك الله - وسيظل اسمك عالقاً في الذاكرة.. ففي الحياة شموس لا تنطفئ أنوارها، ولقد خلفت وراءك سيرة عطرة لها من الشواهد ما لا ينتهي أمده ولا يحصى عدده.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته.. وتعازينا الحارة وصادق المواساة لأسرة الفقيد وألهمهم الصبر والسلوان {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
هيئة الرقابة والتحقيق - الرياض |