- تتزايد أعداد مرضى داء السكري بنوعيه تزايداً مطرداً، وقد سجلت آخر الإحصائيات عن عدد مرضى داء السكري حول العالم حوالي 180 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصل إلى 300 مليون في العشرين سنة القادمة ويعتبر داء السكري هو السبب السادس لحالات الوفاة عالمياً نظراً لتأثيره السلبي على أعضاء الجسم الحيوية كالقلب والكلى والمخ والأعصاب وهو السبب الأول لفقدان البصر في حال عدم تنظيمه، ولهذه الأسباب كان العمل الدؤوب لإنتاج الأدوية التي من شأنها تنظيم السكر بالدم سواء عن طريق الفم أو عن طريق الحقن كالأنسولين الذي تم اكتشافه منذ أكثر من 75 عاما، ومنذ ذلك الحين تهتم شركات الأدوية بتطوير هذا الهرمون المهم لتزيد من فاعليته وتقلل من أعراضه الجانبية وأهمها هبوط في مستوى السكر في الدم، حيث تم إنتاج أنواع حديثة من الأنسولين يقل معها حالات هبوط مستوى السكر بالدم إلى 30 % عن الأنواع القديمة، كما أنها تعمل على إيجاد حلول بديلة لحقن الأنسولين حتى تجنب المرضى تكرار الحقن اليومي فهناك دراسة أثبتت أن مريض داء السكري قد يضطر أن يحقن نفسه بالأنسولين أكثر من 1400 مرة بالسنة، وهذا بخلاف عينات الدم لقياس السكر بالأجهزة الصغيرة.
- وقد بدأت المحاولات بإنتاج أنسولين يعطى عن طريق الأنف لكن نظراً لعدم قدرة الأغشية المخاطية للأنف على الامتصاص الجيد للأنسولين فإن المريض الذي يحتاج عادةً إلى عشر وحدات من الأنسولين لضبط نسبة السكر في الدم قد يضطر إلى استخدام مائة وحدة حتى يحقق نفس النتيجة وللتغلب على هذه المشكلة، فقد أضيفت بعض المواد الكيماوية لهذا النوع من الأنسولين ولكنها تسبب تلف الأغشية المخاطية للأنف بالإضافة للرشح المستمر.
- ثم جاءت محاولة إنتاج الأنسولين الفموي الذي أثبت عدم فاعليته نظراً لتأثر الأنسولين بعصارة المعدة والإفرازات المهضمة للأمعاء وما زالت تجرى المحاولات لإنتاج نوع من الأنسولين لا يتأثر بالعصارات المهضمة بالجهاز الهضمي ، كما أنه توجد محاولات أخرى لإنتاج تحميلات الأنسولين وأيضاً لزقة الأنسولين عبر الجلد ولا توجد أي معلومات عن هذه الطرق بعد.
- وأخيراً جاء الأنسولين المستنشق وهو أنسولين بشري على هيئة بودرة جافة يستنشق عن طريق الفم، و يصل إلى الرئة مباشرة ومنها إلى الدورة الدموية.
- و قد حصلت إحدى شركات الأدوية العالمية على موافقة هيئة الغذاء والأدوية الأمريكية FDA في يناير الماضي على إنتاج عقار الأنسولين المستنشق وهو أمل جديد لمرضى داء السكري من النوع الأول المعتمد كلياً على الأنسولين IDDM وأيضاً النوع الثاني الذي يمكن علاجه بأنواع أخرى من الأدوية الفموية بجانب الأنسولين أحياناً والمسمى ب NIDDM الذي ينتظر أن يصل إلى الأسواق في منتصف العام الحالي ولم يتحدد سعره حتى الآن وإن كان من المتوقع ارتفاع سعره مقارنة بالأنواع الأخرى من الأنسولين.
- ويستخدم الأنسولين المستنشق للبالغين فقط من النوعين IDDM و NIDDM حيث إنه لا يناسب الأعمار الأقل من 18 سنة كما أن استخدامه للسيدات الحوامل لم يثبت حتى الآن.
- ويحتاج الأنسولين المستنشق إلى جهاز خاص يحتوي على هواء تحت ضغط معين وغرفة صغيرة متصلة بالجهاز التي عن طريقها يستنشق المريض أبخرة الأنسولين المنطلقة من الجهاز بعمق وهدوء مرة أو مرتين على الأكثر لاستنشاق كل الأبخرة.
أما العبوات المتوفرة الآن فهي نوعان أحدهما تحتوي على ثلاث وحدات أنسولين والأخرى على تسع وحدات، ويمكن تحميل الجهاز حسب الجرعات المطلوبة لكل مريض ويتميز الأنسولين المستنشق بدرجة ثبات عالية في درجة حرارة الغرفة دون الحاجة لوضعه في الثلاجة لمدة تصل من 6 أشهر إلى 24 شهر.
- الأنسولين المستنشق هو أنسولين قصير المفعول short acting يستطيع أن يحل محل جرعات الأنسولين تحت الجلد قبل الوجبات ولكن لا يمكنه وحده أن يعوض مرضى داء السكري من النوع الأول IDDM من حقن أنفسهم بالأنسولين طويل المفعول للحصول على النسبة المثالية للسكر في الدم، أما بالنسبة للنوع الثاني NIDDM فإنه يمكن استخدامه وحده قبل كل وجبة ومضافاً للأدوية الفموية علماً بأن الأنسولين المستنشق يعتبر أسرع من الأنسولين تحت الجلد القصير المفعول حيث يصل إلى ذروته في 49 دقيقة في حين يصل الأخير إلى الذروة في حوالي 105 دقيقة مما يساعد في سرعة انتظام معدل سكر الدم في حال ارتفاعه عن المرغوب ، وقد وجد أن الأنسولين المستنشق له نفس فاعلية الأنسولين المحقون تحت الجلد.
وللأنسولين المستنشق نفس الأعراض الجانبية الخاصة لجميع أنواع الأنسولين كهبوط سكر الدم من زيادة الجرعة وزيادة وزن المريض وإن كانت أقل نسبياً مقارنةً بالأنواع الأخرى من الأنسولين بالإضافة إلى أنه قد يؤدي إلى جفاف بالفم وآلام بالحلق وأيضاً كحة مع صعوبة بالتنفس، ولهذا فإن المرضى الذين يعانون من حساسية بالصدر والأمراض الرئوية الأخرى وقد يكون علاجهم بالأنسولين المستنشق غير مناسب في الوقت الحالي وقد أوصت الشركة المنتجة لهذا العقار بعمل فحص لوظائف التنفس قبل البدء بالعلاج وبعد 6 أشهر من العلاج ثم المتابعة السنوية لوظائف التنفس بعد ذلك. - أما المدخنون فلا يمكنهم استخدام هذا النوع من الأنسولين قبل الإقلاع عن التدخين لمدة لا تقل عن 6 أشهر حيث وجد زيادة تأثير الأنسولين المستنشق على سكر الدم عند المدخنين بدرجة كبيرة مقارنة بغير المدخنين مما يؤدي إلى هبوط في سكر الدم لديهم.
* أخصائي الأمراض الباطنية والسكر / مركز الورود الطبي د.سامح إبراهيم * |