أما قلت لكم في مقالة سابقة إن الرياض التي عرفتها في (سالف العصر والأوان) هي بمثابة مجموعة من (الرياض) أو (الروضات) التي تزدهي بالخصب والقمح والأزهار والنوار والنخيل ويشهد على ذلك (زملائي) الذين مروّا بها في أزمنة متفاوتة ليكتبوا عنها.
فهذا الزميل (ياقوت الحموي) يقول على لسان راعي إبل عبيد بن ثعلبة الحنفي: (إني رأيت آطاماً طوالاً وأشجاراً حساناً). أما الزميل أبو الفداء فكتب (أنها أكثر نخلاً من سائر الحجاز وبها الحنطة والشعير). أما الزميل الطبري فقد كتب (أنها من أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها خيراً وفيها صنوف الثمار ومعجبات الحدائق والقصور الشامخة). وبالطبع كان بقية الزملاء من الكتاب العرب ولربما إلى اليوم يظنون أن الرياض مدينة صحراوية تقبع بين الكثبان هكذا (!!) ولكنني أقول لهم وبالفم المليان إنها اليوم عاصمة من زهر تطرح أروع أنواع الورود في الدنيا بل إن الورود هي التي (تسعى) إليها من كل أقطار حدائق الكون لتستقر آمنة بها وتواصل النمو والتفتح وبث الأريج عبر نسائم الصحراء وبالطبع أقول ذلك وأنا البدوي الحالم بأية بقعة خضراء منذ أيام القحط والجفاف ولكنني حينما زرت أغلب مدائن الأرض وهالني ما رأيت من الخضرة الزاهرة ها أنني اليوم أكاد أقفز كأيل السهوب مبتهجاً بالورد في مدينتي الرائعة الرياض ولا سيما حينما تسللت إلى مهرجان الزهور الذي أقامته مؤخراً أمانة مدينة الرياض إذ إنني رأيت ما لم يره الزملاء (ياقوت وأبو الفداء والطبري) فهم لم يعرفوا أن الرياض اليوم وبفضل إدارة الحدائق والتجميل في الأمانة إياها قد استقبلت أروع وأزهى وأغرب أنواع الزهور من كل بقاع الأرض فمن قال إن الياسمين والبركنسونيا والفل والأوركيد، والقرنفل والروليا والبتونيا والمنثور والتوليب والزنبق والنرجس والهيدرا والغاردينيا والبنفسج، تعانق كلها شجيرات الشيح والقيصوم والعرفج والروثاء والخضراف والرنمل والقحويان والجثجاث والثمام والقتاد والربلة والحميض والجعبدة والبعيثران والرمث وشدق الجمل؟! لتكوّن بهذا التشكيل الرائع المهيب أروع اتحاد جمالي في الكون يتحدى بشائع هذا العصر من حروب ومجاعات وأمراض ودمار وكراهية وتميز واستكبار.
***
وبالطبع حينما تتحدّ كل هذه (الجمالات) البديعة وتلتقي في حضرة (رياضنا) الحبيبة عاصمة المحبة والجمال والبهاء، فإنها تشكل تناغماً بديعاً مع طموحنا الإنساني والحضاري بأننا نساهم بالإضافة إلى تقديم الطاقة للعالم أننا نقدم له الحب والجمال ووحدة الإنسان، تماماً كما اتَّحدتْ في عاصم بلادنا هذه الزهور التي تعبر كل زهرة منها عن جمالية معينة من جماليات الحياة؛ أما مَنْ يكره الورود وينهال عليها بالعصي، فإنه مخلوق لايستحق الحياة؛ شكراً لسيدة الجمال الرياض، وشكراً لمن ساهم في كل هذا الجمال.
|