Tuesday 28th March,200612234العددالثلاثاء 28 ,صفر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"حصاد الشورى"

(عثمان الصالح) حكاية تروى (عثمان الصالح) حكاية تروى
بدر بن أحمد كريّم

سمعت ذات يوم الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - (عندما كان رئيساً لرعاية الشباب) يروي أنّ المربي الفاضل (الشيخ عثمان الصالح) - رحمه الله - منعه من دخول معهد العاصمة النموذجي حينما كان طالباً بعد أن تأخر خمس دقائق عن الموعد المقرر للدراسة، إذ ذاك سأله الشيخ عثمان: ما الذي أخّرك؟ فتلعثم لهيبة السائل قبل السؤال وردّ عليه بصدق: النوم، فأجابه الشيخ عثمان: إذاً إذهب إلى البيت وأكمل نومك. ثم اتصل الشيخ عثمان هاتفياً بالملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - (وزير المعارف وقتذاك) وأخبره بما فعَل، فأقره الملك فهد على صواب تصرفه، ولما عاد إلى بيته وجه لوْماً شديداً للأمير فيصل، وحذّره من التأخير عن الحضور، وقرّعه تقريعاً شديداً. أضاف الأمير فيصل - رحمه الله - :(منذ ذلك اليوم حرصْتُ على الانضباط).
تداعى إلى ذهني هذا الموقف، ساعة أن دخلتُ منزل (الشيخ عثمان) معزياً مع آلاف المعزين، الذي ربطتْهم به علاقة جعلتهم يذرفون الدمع عليه، وتساءلتُ : أيُّ نوْع من المربين هذا الرجُل ؟ وهل يتوفر عدد منهم في المدارس، والمعاهد، والكليات؟ لستُ متشائماً ولكن أسأل.
عرفتُ الشيخ عثمان الصالح منذ أن كنتُ مذيعاً مبتدئاً في الإذاعة السعودية، وعقدتُ معه صداقة دائمة، فقد أدركتُ أنه عرَف نفسَه وهذا شيء حَسَن، ولكنّ معرفة نفوس الآخرين أحسن، وترحّمْتُ على أيام كانت للمعلم فيها مهابة، لقد زرع الشيخ عثمان الصالح في عقول تلاميذه حصاداً دائماً أخضر، وقّلِقَ على أحصنتهم وهي تعدو في فناء المعهد (معهد العاصمة النموذجي) وكانت له عينان ثاقبتان، يجنح دوماً إلى المروءة، وإلى الأقوال الصادقة، عاش حياته بإخلاص (والإخلاص فتْحة في القلب توجد في عدد قليل جداً من الناس)، قلبه مستقيم، وأذنه رهيفة، ولا يداري السيئ القبيح من الخُلُق، وصفاء أخلاقه من نقاء أعراقه، ومجالسته مسلاة للأحزان، وفي لقائه غُنْم، يخلص الود، ويبذل الرَّفْد، ويصدُق عليه قول الشاعر:


ذو الود عندي وذو القربى بمنزلة
وإخوتي أُسْوة عندي وإخواني
عصابة جاورَتْ آدابُهم أدبي
منهم وإنْ فرّقوا في الأرض جيراني

رحم الله الشيخ عثمان الصالح، والعزاء لكُثْر من الناس: أبنائه، وبناته، وتلامذته، وأسرته، وأصدقائه، ومحبيه، وعارفيه، فقد كان رجلاً ظاهر الأدب، طاهر النّبْت و (لا أحد يبكي ميتاً لم يخلف ثروة) وثروة الشيخ عثمان الصالح هم الذين حملوه على أكتافهم إلى مثواه الأخير، وأبناء وبنات صالحين وصالحات - إن شاء الله.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved