Sunday 26th March,200612232العددالأحد 26 ,صفر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"وَرّاق الجزيرة"

من نماذج الرحلة في طلب العلم عند العلماء النجديّين من نماذج الرحلة في طلب العلم عند العلماء النجديّين
الشيخ ناصر بن سعود بن عيسى

*زكي بن سعد أبو معطي:
سطر العلماء النجديون صفحات رائعة في الرحلة في طلب العلم، جابوا الديار وشرقوا وغربوا اجتهاداً في طلب العلم وتحصيله، ونجد في كتب التراجم والتاريخ النجدي نماذج من ذلك، ومن هذه النماذج الرائعة الشيخ (ناصر بن سعود بن عيسى) الملقب (شويمي)، وهو صاحب بحث وتحقيق، انتصر لعقيدة السلف - رضوان الله عليهم - في شعره وقلمه ونافح عنها، وقد اعتمدت في هذه الترجمة على كتاب (علماء نجد خلال ثمانية قرون) للشيخ عبد الله البسام 6 - 458، مع إضافات أخرى وجدتها في بعض الوثائق أو في كتب أخرى.. أما عن اسمه فهو: ناصر بن سعود بن عبد العزيز بن إبراهيم بن محمد بن حمد بن عبد الله بن عيسى، وعيسى هو عيسى بن علي بن عطيّة وهو جد أسرة آل عيسى أهل شقراء، ومن شقراء انتقل بعضهم إلى القصيم والأحساء والزبير والكويت وغيرها من البلدان، وهم من فخذ آل علي من عطيّة من قبيلة بني زيد وهو - رحمه الله - من بيت إمارة وعلم، فأخوه محمد الملقب (العوسي) هو أمير شقراء بعد إمارة (محمد بن إبراهيم بن شريم) سنة 1325ه حتى توفي سنة 1340ه، ثم تولى الإمارة بعده (عبد الرحمن البواردي) ولقب الشيخ (شويمي) تصغير شامي، ولا علاقة لهذا اللقب بأسرة (الشويمي) أهل شقراء من الجماز من بني زيد، فجد تلك الأسرة الكريمة هو (عبد الرحمن بن سليمان الجماز) الملقب شويمي، وقد ذكره المؤرخ الشيخ إبراهيم بن عيسى في تاريخه المخطوط، وأيضاً الشيخ عبد الله بن محمد البسام في (تحفة المشتاق) في أحداث سنة 1328ه.. ولد الشيخ ناصر في شقراء في حدود سنة 1285ه، ونشأ فيها وقرأ على علمائها، وأشهر مشايخه فيها ابن عم أبيه الشيخ (علي بن عبد الله بن عيسى) قاضي شقراء، والشيخ القاضي (أحمد بن إبراهيم بن عيسى) ثم سافر إلى الرياض فأخذ عن علامتها الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ محمد بن محمود، وذكر الشيخ عثمان القاضي في ترجمته له في كتابه (منهاج الطلب) أن من شيوخه: الشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ حمد بن فارس.
ثم سافر إلى الحجاز فقرأ على علماء المسجد الحرام، وجلس فيها مدةً للتعلم والاستفادة ثم رحل إلى صنعاء في اليمن، وكانت تزدهر ذلك الوقت بالعلماء، فأقام فيها مدة طويلة، وأخذ عنهم التفسير والحديث وأصولهما وعلوم العربية.
ثم رحل إلى العراق وأقام في بغداد، وأشهر مشائخه هناك الشيخ (محمود شكري الآلوسي)، كما أخذ عن غيره من علماء بغداد، ورحل إلى الشام وطلب العلم على علمائها ثم رجع إلى بلده (شقراء) وجلس للتدريس في جامع شقراء، وولي إمامته وخطابته، فصار عالم البلد والمرجع إليه في الإفتاء والتدريس، فعكف عليه طلاب العلم وأخذوا العلم منه، وقد كان له اطلاعاً واسعاً في كل من التوحيد والفقه والتفسير والحديث والعروض والعلوم العربيّة بأنواعها.
وكان من تلاميذه: الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الحصيّن، والشيخ محمد بن علي البيز، والشيخ عبد الله أبا بطين، والشيخ عمر أبا بطين، والشيخ محمد البصيري، والشيخ محمد البواردي، والشيخ إبراهيم الهويش، والشيخ سعد بن سدحان، والشيخ عبد الرحمن بن علي بن عودان قاضي عنيزة، وغيرهم كثير.وقد ذكر الشيخ عبد الله البسام في كتابه (علماء نجد) أن الشيخ عبد الرحمن السعدي لما شرع في تصنيف كتابه في تفسير القرآن صار يراجعه ويعرض عليه ليأخذ رأيه فيه وقال الشيخ عبد الله البسام: قال لي الشيخ الفقيه عبد الله بن جاسر رئيس محكمة تمييز الأحكام الشرعيّة: (إن في استطاعة الشيخ ناصر بن سعود أن يشرح النونيّة لابن القيّم، مع أن شرح هذا الكتاب هابه وأحجم عنه كبار العلماء) وكان له بصر بعلمي الكيمياء والجغرافيا، وقد أعجب به أمين الريحاني لما زار شقراء، وقد قال عنه المؤرخ محمد بن بليهد (له اليد الطولى في اللغة وأشعار العرب)، فقد كان أديباً شاعراً، وقد ذكر الشيخ عبد الله البسام شيئاً من شعره، من ذلك قصيدة يمدح بها قبيلته بني زيد قال من ضمن أبياتها:


ما لعينيك دمعها كالغزال
إذ تمر على الديار الخوالي
من حبيب حتى فؤادك أشقى
فهو كالموثق بصدق الكبال
أحور العين أهيف البطن طفل
ذات جيد شبيه جيد الغزال
قد كساه غريب فرع أثيث
وسقى الأقحوان منه بالسلسال
حازت الحسن والكمال جميعاً
كبني زيد حائزين المعالي
يوم ساروا إلى الوغى في لهام
وبجرد عوابس صهال
معهم البيض ودلاصي سباغ
وسيوف هنديّة وعوال
وعفاة قد انتحونا بشقراء
وجدونا بها غيوث الليالي
ذاك دأب لنا عليه نشأنا
كرم طائل وصدق قتال

ورثى الشيخ العلامة (عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ) بأبيات قال فيها:


نعى النعاة لنا شيخ الوجود
يشع الدهر شمس الهدى عالي السجيّات
إنسان عين زمان الدهر خير مؤتمن
فينا على الدين حقاً والولايات
كان الضياء وكان النور نتبعه
على الذي يرتضي رب السموات
علماً وحلماً وجوداً لا نظير له
يا لهف نفسي عليه بين أموات
ريعت به من ذوي الإسلام أفئدة
فأذهبت عنهم كل المسرات
كانت مجالسه بالعلم عامرة
أكرم بها من بهيات منيرات
يحيي بها السنة الغراء من شبه
ويطمس الشرك مع تلك الجهالات

وقد اطلعت على رد للشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى على رسالة من قاضي شقراء الشيخ سليمان بن عبد الرحمن بن عثمان يعرض فيها أبياتاً للشيخ ناصر بن سعود بن عيسى ويطلب فيها من الشيخ إبراهيم تقويماً لتلك الأبيات، وكان ذلك سنة 1305هـ، أي كان عمر الشيخ ناصر بن سعود بن عيسى 20 عاماً تقريباً مما يدل على نبوغه المبكر في مجال الشعر والأدب وقد أرسل لي الأخ الفاضل عبد الله بن بسّام البسيمي صورة من وثيقة فيها قصيدة للشيخ ناصر بن سعود بن عيسى أرسلها إلى الشيخ النسّابة إبراهيم بن صالح بن عيسى، وهي بخط (عبد الله بن سليمان بن مطر) بتاريخ 20 صفر سنة 1333هـ، وموضوعها هو الرد على (يوسف النبهاني) والانتصار لعقيدة السلف الصالح، من ضمن أبياتها:


جحدت الإله العلي الكبي
ر سبحانه بارئ العالمينا
جحدت الرسول ودين الرسول
بما جحدك الله جحداً مبينا
فماذا التلاعب ماذا السفاه
لهذا مقال يضاهي الجنونا
فيا للعقول من المسلمين
أترضون ما قال في الله دينا
أما منكموا غائرٌ للإله
فيبتر بالغضب منه الوتينا
فتب يابن نبهان مما اجترح
ت من أمر توبة الصادقينا
وكن سالكاً منهج المصطفى
وأصحابه بعدُ والتابعينا
وأربعة شُهروا في الأنام
أئمةً حق بهم يقتدونا

وُصف - رحمه الله - بأنه عاقل ذكي يتوقد ذكاء وفطنة وحفظاً، مع جد واجتهاد في الطلب، وحرص على حفظ الوقت والاستفادة منه، وبأنه حلو المفاكهة، لا يمل جليسه حديثه وعلى جانب عظيم من كرم الأخلاق والسخاء المفرط.وقد ذكر د. محمد الشويعر في كتابه (شقراء) ط1، 145 أنه كان يأكل من عمل يده من عمل بعض التركيبات والمواد الكيميائية والكحل وغير ذلك، وقد ذكر الشيخ عبد الله البسّام أنه عُرض عليه القضاء في إحدى بلدان الحجاز في عهد الملك عبد العزيز فرفض، وظل على حاله في الإمامة والخطابة والوعظ والتدريس في بلده شقراء حتى وافاه الأجل - رحمه الله تعالى -، كما ذكر الأستاذ محمد بن سعد الشويعر في كتابه (شقراء) ط1، ص 145 أنه عُرض عليه القضاء في (الحفيّرة) قرب الدوادمي فطلب الإعفاء من الملك عبد العزيز - رحمه الله - وقد تميّز - رحمه الله - بخطه الجميل الواضح، ويتضح ذلك في أوراقه ووثائقه، وقد أخذت من الأخ الفاضل خالد بن عبد العزيز المقرن صورا من بعض وثائق الشيخ، وهي عبارة عن مبايعات ومداينات وأحكام، بعضها من كتابة الشيخ ناصر وتحريره، وبعضها نسخها من قضاة وعلماء ونُسّاخ قبله.. وقد استعرضت هذه الوثائق فوجدت أن أغلب من نسخ عنهم من منطقة الوشم في القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر مثل: إبراهيم بن حمد بن عيسى، إبراهيم بن عبد اللطيف، إبراهيم بن محمّد بن سدحان، سليمان بن عبد الرحمن بن عثمان، عبد الرحمن بن حسن بن رشيد، عبد الرحمن بن عبد العزيز الحصيّن، عبد الرحمن بن فوزان، عبد الرحمن بن محمد أبا حسين، عبد العزيز بن محمد، عبد الله بن إبراهيم بن عمّار، عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، عبد الله بن عبد الرحمن بن عمّار، عبد الله بن محمد بن عوشن، عثمان بن محمد أبا حسين، عثمان بن منصور، علي بن عبد الله بن عيسى، فهد بن عبد الرحمن الصّميت، محمد بن إبراهيم الفريح، محمد بن عبد الله بن فنتوخ...هذا ما رأيته من الوثائق التي قام بنسخها وهذه الوثائق، بالإضافة إلى الوثائق التي كتبها الشيخ حوت الكثير من أسماء الإعلام وبالذات من شقراء أو ما حولها من البلدان، وهي إما مبايعات أو مداينات أو قسمة أو تخاصم أو شهادة أو وصايا أو أوقاف أو غير ذلك.. توفي الشيخ - رحمه الله - سنة 1349هـ وقيل سنة 1350هـ، عن ولد واحد وهو سعود، وتوفى سعود منذ بضع سنوات - رحمه الله - وليس له ذريّة، فليس للشيخ الآن عقب من الذكور، وابنته - رحمها الله - هي زوجة الشيخ القاضي محمد بن علي البيز، المتوفى سنة 1392هـ، رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح جناته.
للتواصل مع الكاتب
www.fatabanyzaid.com

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved