سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الأستاذ / خالد المالك المحترم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته وبعد :
كنت أتابع ما يدور على صفحات هذه الجريدة الغراء بين الدكتور حسن الهويمل والدكتور مرزوق بن تنباك الذي أثاره مؤلفه الأخير حول وأد البنات في العصر الجاهلي بعنوان (الوأد بين الحقيقة والخيال) الذي انتهى فيه إلى أن الوأد في الجاهلية كان موجهاً للأولاد غير الشرعيين لا للإناث.. كما اطلعت على تعقيبي الأستاذين عبدالرحمن الأنصاري وشمس الدين درمش حول هذا الموضوع وذلك في العددين 12221 - 12224 والحقيقة أنني لن أدخل في إشكالية فهم النصوص الشرعية وتخريجها أو صرفها إلى معنى معين فقد كفانا الإخوة المتحاورون ذلك.
ولكنني سأتناول هذه القضية من زاوية أخرى فأقول : لقد استقر في أذهاننا من خلال ما تعلمناه وتلقيناه أن العرب قبل الإسلام تزدري المرأة وتحتقرها احتقاراً مقيتاً، وكرس هذا المفهوم في العقول حتى لقد أصبح ذلك من المسلمات في حين أننا إذا أمعنا النظر في كتب التاريخ والسنة النبوية والقرآن الكريم نجد خلاف ذلك بل نجد البون شاسعاً بين ما رسخ في الأذهان، وبين الواقع الفعلي للمرأة في العصر الجاهلي.
وسأستعرض بعض الشواهد حول هذا الموضوع لجلاء هذه الصورة فأقول: إن المرأة في تلك العصور عند العرب تقلدت الولاية العظمى فنجد الزباء أو زنوبيا ملكة لمملكة تَدمُر في شمال الجزيرة العربية ونجد كذلك بلقيس ملكة في بلاد اليمن، وقد أشار القرآن الكريم إلى قصتها مع النبي سليمان في سورة النمل.. بل أثنى عليها في القرآن الكريم ووصفت بأنها امرأة لا تنفرد بالرأي..قال الله تعالى عنها بعد أن وردها كتاب سليمان يدعوها فيه إلى الإسلام :{قَالَت يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفتُونِي فِي أَمرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمرًا حَتَّى تَشهَدُونِ} (32) سورة النمل، كما أنه سبحانه وتعالى لم يستنكر على أهل اليمن توليتهم هذا الأمر لامرأة.
كذلك نرى المرأة مستشارة يرجع إليها وكما يروى عند زرقاء اليمامة التي اشتهرت بحدة البصر.. وفيهن الشاعرات المبرزات؛ ومَن الذين لا يعرف الخنساء وما قالته في أخيها صخر من مرثيات :
يذكرني طلوع الشمس صخراً وأذكره لكل غروب شمس |
وكانت المرأة في العصر الجاهلي تتصرف بأموالها وتدير تجارتها ومَن الذي يجهل خديجة بنت خويلد - رضي الله عناه - وكيف كانت تجارتها تصل إلى الشام وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعمل عندها قبل زواجه منها.
وفي بيعة العقبة فرض النساء وجودهن بجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يجعل لهن بيعة خاصة.
وفي الحرب كلنا يعلم عن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان وكيف بلغ بها جبروتها أن تقد بطن حمزة بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - وتأخذ قطعة من كبده فتلوكها تشفياً من قتله لأحد أقربائها.. بل إنه لما عمت حركة الردة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثارت سجاح في البلاد النجدية وادعت ما هو أعظم من الولاية العظمى وهي النبوة مثلها مثل بقية الدجالين الذين رفعوا هذه الدعاوى الكاذبة كمسيلمة وطليحة الأسدي والأسود العنسي.
أما المخضرمات من النساء فقد قرأنا كيف يقفن ويحاورن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدافعن عن وجهات نظرهن وكذلك مع الصحابة كما حصل من سعفاء الخدين والخثعمية، وتلك التي وقفت بين الجموع وردت على الخليفة عمر بن الخطاب وهو يخطب فقال عمر: (أخطأ عمر وأصابت المرأة).
وبعد فهذا غيض من فيض مما كانت تقوم به المرأة في العصر الجاهلي، والمكانة التي كانت تتبؤها في ذلك الزمن.. وإذا كان الوضع كما أسلفت فكيف يمكن التوفيق بين تلك الصورة النمطية التي كرست في الأذهان عن وضع المرأة ومكانتها في ذلك الزمن أو العصر.. وبين هذه الشواهد التي تعطي صورة مغايرة تماماً بل مناقضة لما ألفناه..؟
وكيف يمكن التوفيق بين مكانتها هذه وبين مقولة إن العرب تحتقر المرأة في العصر الجاهلي وتئد البنات.ثم كيف نفهم أن شعباً يعاني خللاً في تركيبته السكانية نتيجة للوأد يجتاح بعد البعثة النبوية الشعوب المجاورة حاملاً رسالة الإسلام ويكون تلك الأمبراطورية الضخمة؟.. هذه تساؤلات أطرحها..والله ولي التوفيق
حمود بن عبدالعزيز المزيني المجمعة - ص. ب 82 |