Sunday 26th March,200612232العددالأحد 26 ,صفر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"محليــات"

دفق قلم دفق قلم
ذهب العَلَم (عثمان الصالح)
عبد الرحمن صالح العشماوي

عَلَمٌ من أعلام التعليم والتربية في بلادنا، قلب كبير ما أظنُّه كان يعرف شعوراً غير شعور الحب، والمودَّة للجميع، وشعور الإحساس بالأخوة والأبوَّة لكل من يعرفه، عَلَمٌ من أعلام (الخلق الفاضل) ما أظنُّ وجهه السمح الكريم كان يعرف غير الطلاقة والبشاشة، والابتسامة التي تعبِّر عن قلبه الكبير أصدق تعبير.
عَلَمٌ من أعلام (الوفاء) استطاع أن يرسم للوفاء أجمل لوحةٍ تراها عيون طلابه وزملائه وأصدقائه وكلُّ من عرفه من قريب أو بعيد.
عَلَمٌ من أعلام (الصِّلة والقيام بالواجب)، فصلته لأقاربه وأصحابه وطلابه مشهورة معروفة، لا يكاد يضع عباءته عن عاتقه ذاهباً لزيارة قريبٍ أو صديق، أو مريض أو أداء واجب العزاء، أو تقديم التهنئة والمباركة في حالات الفرح والسرور.
عَلَمٌ من أعلام (التواضع ولين الجانب)، فما يجد منه زائره الذي يعرفه والذي لا يعرفه إلا الكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة، والترحيب الذي لا ينقطع عن زائره وضيوفه حتى يودِّعهم، وكم من زائر له في حاجة لم يلْتق به من قبل خرج من عنده وهو سعيد القلب، مرتاح النفس، منشرح الصدر، فهو بهذه الصفة عَلَمٌ من أعلام (الموطَّئين أكنافاً الذين يألفون ويَؤُلَفُون).
(عثمان الصالح) - رحمه الله - العلم المربي المعلِّم، الذي قضى معظم سنوات عمره في مجال التعليم والتربية، وحظي بتقدير كبير من طلابه الأمراء والوزراء، والعلماء، والأدباء، والمفكرين، والمثقفين، والصحافيين، فهو أستاذ أجيال ومدرسةٌ تربويةٌ كبيرة كان لها دورها الكبير في صنع رجال هذه البلاد بعون الله وتوفيقه .
عثمان الصالح : ما زلت أذكر أول لقاءٍ لي به، كنتُ في السنة الأولى من كلية اللغة العربية بالرياض، لا أزال مصبوغاً بصبغة القرية الرابضة على إحدى قمم جبال السَّروات (حمى ظبيان) في منطقة الباحة، وكان هنالك حفل كبير في قاعة كلية الشريعة بالرياض حضره عدد من العلماء والمسؤولين وطلاب العلم، وكانت لي في ذلك الحفل قصيدة، هي القصيدة الأولى التي ألقيتها خارج إطار قريتي عراء، ومنطقة الباحة، وكانت رهبتي من ذلك اللقاء كبيرة، وبدأ الحفل، وألقيت قصيدتي، فكانت بداية جميلة لامتداد جسور الصِّلة والعلاقة المتينة لطالب السنة الأولى في الكلية بعدد من العلماء والمربين والمسؤولين، وكان في مقدمتهم الراحل الحبيب (عثمان الصالح) رحمه الله.
بعد انتهاء الحفل سلَّمتُ عليهم، وهو ينتظرني بلهفة الأب، وما كدت اقترب منه لأصافحه حتى جذبني إليه وعانقني وقال بصوته الأبوي الحنون: يا عبد الرحمن أنا والدك المحب لك (عثمان الصالح) هل تعرف معنى والدك؟ هنا في الرياض أنا والدك، ومنزلي منزلك فأنت هنا في أسرتك.
هل أصف لكم شعور الطالب القروي الذي عاشه في تلك اللحظة؟ أعترف لكم أنني عاجز عن ذلك، ولقد كان - رحمه الله - فعلاً بمنزلة الأب الحنون طيلة معرفتي به حتى في آخر زيارة له بعد مرضه، وجدت منه دِفْء المحبة الصادقة، كما وجدته في أول لقاءٍ به.
هل أنا وحدي منْ حظي بهذا الشعور الأبوي الدفَّاق؟
لا، فعثمان الصالح - رحمه الله - قلبٌ كبير اتسع لكل من عرفَهُ، كم أنا سعيدٌ جداً بما عرفت من (خلقه الفاضل) الذي أصبح به مدرسة حيَّة من مدارس الأخلاق لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن أحبَّ أمته إليه وأقربهم منه مجالس يوم القيامة أحاسنهم أخلاقاً، الموطَّؤون أكنافاً، الذين يألفُون ويُؤلفون. كما أخبرنا - عليه الصلاة والسلام - أنَّ المسلم يبلغ درجة الصائم القائم بحسن خلقه.
عجباً لي كيف أسعدُ في الوقت الذي أشعر فيه بالحزن الكبير على وفاة الوالد (عثمان الصالح)؟
هكذا هي الحياة، وإنَّ سعادتي أكبر بما عرفت من دينه وخُلقه في هذه الدنيا، لأن ذلك هو مقياس النجاح والفوز حينما نقف جميعا بين يدي ربِّ العالمين في يوم لا تخفى فيه خافية.
لقد ودَّعَتْ أمي الحبيبة هذه الدنيا - رحمها الله - وما كانت تنسى الدّعاء لوالدنا عثمان الصالح لما عرفت من العلاقة بيني وبينه، وحينما أقمت أول أمسيّة لي في مركز الأمير سلمان الاجتماعي بالرياض بعد توقفي سنواتٍ عن النشاط الأدبي، كان من أوائل من حضر إلى قاعة الأمسية والدنا الكبير الشيخ (عثمان الصالح) وصاحب الوفاء أيضاً د. محمد الصالح، وقال لي الفقيد : والله لقد سررت سروراً كبيراً حينما بلغني خبر الأمسية لمعرفتي العميقة بكن وبما لديك من حب الخير لوطنك وأمتك.
وحينما علمت أمي الحبيبة - رحمها الله - بذلك رفعت يديها إلى السماء ودعت بدعاءٍ صادق لفقيدنا الكبير، وللشيخ د. محمد الصالح - حفظه الله - .
إنَّ حزني لوفاته كبير جداً، ولكننا نؤمن بقضاء الله، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.عزائي الصادق لجميع أبناء الفقيد وبناته وأقاربه وأحبابه وأصحابه وزملائه وطلابه، وأخص بالعزاء صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي دعا إلى إقامة حفل كبير قبل سنوات لتكريم أستاذه الشيخ عثمان الصالح، حضره جمع غفير من الأمراء والعلماء والمثقفين، وأخص صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز الذي يقدِّر الفقيد ويحترمه كعادته في تقدير رجال العلم والأدب.

إشارة :
(اللهم أنزل على عبدك عثمان الصالح، ما يجعل قبره روضة من رياض الجنة).

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved