*حاوره - فهد العجلان:
ذكر أحد الاقتصاديين في استشرافه لمستقبل المنافسة الاقتصادية قبل زمن طويل أن تخيل المستقبل يبدأ من صناعته!!
هذا القول يستذكر اليوم لاستعادة كثير من التجارب الاقتصادية التي غرست بذورها مبكراً في دول عدة لتصبح اليوم أمثلة لمستقبل نحلم به اليوم في منطقتنا ونتمنى استحداثه في اقتصادنا الوطني.. استحداثا يستشرف متغيرات ومحددات النمو الاقتصادي الجديدة التي جعلت مفهوم تراكم الثروة حداً لا يقطع حجب طرق النمو الاقتصادي بمفهومه الحديث... وصندوق المئوية يمثل اليوم بوصلة وعلامة فارقة لتحديد الاتجاه في مفترق الطرق الذي يواجهه الاقتصاد السعودي بعد أن انضم إلى دائرة المنافسة الاقتصادية العالمية بكامل شروطها..
وتجربة ( صندوق المئوية).. بتميزها واستشرافها للمستقبل لم يكن ل(الجزيرة) أن تسمعها من غير مؤسسها باعتبارها تجربة تحمل الكثير من العمل والأمل... بدأت من رجل لا يتحدث كثيراً.. الأمير عبد العزيز بن عبد الله مؤسس صندوق المئوية ورئيس مجلس أمناء الصندوق، المستشار بالديوان الملكي والذي خص (الجزيرة) بالحوار التالي:
***
مفترق الطرق
* الاعتماد على المورد البشري اليوم في المساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي يمثل أولوية كبرى.. وصندوق المئوية يمثل تجربة محلية رائدة في هذا الاتجاه الذي قد نعتبره مفترق طرق بالنسبة لاقتصادنا..؟ كيف يرى سموكم دور الصندوق في هذه المرحلة؟
- نعم اتفق معك وصندوق المئوية يعدّ مؤسسة خيرية لا تهدف للربح، صدر المرسوم الملكي الكريم بتاريخ 20-5-1425هـ بإنشائه، ويهدف إلى مساعدة الشباب من أبناء وبنات الوطن الذين يسعون إلى تحقيق استقلال اقتصادي ذاتي ويتمتعون بالطموح والحماس والرغبة في مزاولة الأعمال التجارية الحرة وليس لديهم مصدر للدخل، وذلك من خلال الدعم المادي والمساندة المعنوية والإرشاد بمساندة رجال الأعمال السعوديين، وذلك بالاستفادة من تجربة منظمة شباب الأعمال الدولية التي أسسها ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز.
وقد بدأ الصندوق أعماله ببرنامج تجريبي شمل تقديم الدعم لـ(30) متقدماً على مستوى المملكة منهم (9) شابات، وليس هناك قاعدة لدى الصندوق لنسب المستفيدين من ذكور وإناث، غير أن المعيار الرئيسي هو جودة المشروع وانطباق الشروط على صاحب المشروع، مع السعي إلى توزيع الدعم بصورة عادلة على جميع مناطق المملكة.
وتتفاوت أحجام القروض الممنوحة حالياً بحسب نوعية المشروع ما بين 50 - 200 ألف ريال، والخدمة الأهم التي يقدمها الصندوق هي الإرشاد وتسهيل إجراءات تنفيذ المشاريع وذلك بالتعاون مع الهيئة العامة للاستثمار التي يرتبط معها الصندوق بشراكة تكاملية حققت نجاحاً متميزاً في المرحلة التجريبية.
العمل المنظم تجربة حديثة!!
* ما مدى تقييم سموكم لتفاعل القطاع الخاص مع العمل التطوعي والمبادرات الوطنية غير التقليدية مثل إنشاء رابطة أصدقاء السعودية وصندوق المئوية؟
- هناك تجاوب جيد من القطاع الخاص وتفهم للأهداف الوطنية والاجتماعية التي تسعى إليها تلك المبادرات، مع ملاحظة أن العمل التطوعي الجماعي المنظم وفقاً لأسس منهجية لا يزال تجربة حديثة في مجتمعنا مما يستوجب زيادة برامج التوعية بأهميته للمجتمع، وأهميته للفرد ذاته الذي يسهم في العمل التطوعي، إذ إن هناك كثيرين يرغبون في خدمة مجتمعهم ووطنهم ويشعرون بسعادة كبرى جراء ذلك ولكنهم قد لا يجدون الفرصة المناسبة التي تتلاءم مع إمكانياتهم.
3.700 طلب في أسبوعين!!
* هذا يقودني إلى الحديث عن الدور الإعلامي للتعريف بفكرة الصندوق ودوره... والسؤال عن سبب عدم ظهوركم في الصحافة للتعريف بصندوق المئوية بشكل أكبر؟
- لقد تم في المرحلة التجريبية الإعلان عن برامج الصندوق من خلال وسائل الإعلام المحلية، وقد كان الإقبال مرتفعاً ولله الحمد فقد تقدم للصندوق وفي خلال أسبوعين فقط أكثر من ثلاثة آلاف وسبعمائة طلب.
تعبئة الطلبات إلكترونياً..
* ولكن يلاحظ أن هناك الكثير من الشباب وحتى بعض المتخصصين ممن لا يملكون فكرة واضحة حول برامج وخدمات الصندوق؟ فكيف يرى سموكم الخلل؟
- من جوانب معينة هذا صحيح، مع ملاحظة أننا ركزنا في المرحلة التجريبية على وضع خطط العمل والتقييم المستمر لكل خطوة يتم القيام بها وذلك قبل التوسع في أنشطة الصندوق والذي سيبدأ خلال المرحلة القريبة القادمة، وبخاصة أن الصندوق قد دخل في تحالف إستراتيجي مع منظمة شباب الأعمال الدولية.
وسوف يكثف الصندوق من الإعلان عن برامجه في المرحلة القادمة من خلال جميع وسائل الإعلام، وكذلك من خلال موقع الصندوق على الإنترنت بحيث يوفر كافة المعلومات التي يحتاجها المتقدم بالإضافة إلى توفر طلبات الدعم والتمويل بحيث يمكن تعبئتها إلكترونياً ومن خلال الموقع.
***
الشراكة التكاملية
* سمو الأمير.. مع وجود فجوة التواصل بين المبدعين والمبدعات من شباب هذا الوطن.. هل ينتظر الصندوق هؤلاء الشباب للاستفادة من خدماته أم أن لديكم آلية للوصول إليهم؟
- علينا مسئولية تعريف الشباب والشابات والمهتمين بأنشطة وخدمات الصندوق عبر وسائل مختلفة، وأهمها الإعلام، كما يسعى الصندوق إلى التواجد في جميع مناطق المملكة من خلال شراكة الصندوق التكاملية مع الهيئة العامة للاستثمار حيث أنشئت عدد من مراكز الخدمة الشاملة ومن خلال عدد من الاتفاقيات تم توقيعها مع الغرف التجارية في مناطق المملكة المختلفة بحيث تقوم الهيئة والغرف التجارية في التعريف ببرامجه لدى قطاع عريض من المجتمع.
وفي كل الأحوال فإننا نتوقع أن يستفيد من خدمات الصندوق الشباب الذين لديهم حس المبادرة والحماس أكثر من غيرهم.
الإرشاد والتوجيه
* سمو الأمير.. تعلمون أهمية ودور الإنسان المبدع والمؤهل ودوره في العديد من التجارب الاقتصادية الدولية.. ما دور الصندوق في المساهمة في خلق هذه الكفاءات؟
- لا بد من التنويه هنا.. أن الدعم الذي يقدمه الصندوق يشمل تقديم برامج الإرشاد والتوجيه المهني لمساعدة الشباب الناشئ في بدء مشاريعهم التجارية، وتمويل المشاريع الناشئة، بالإضافة إلى توفير التدريب المناسب لتطوير المهارات وفقاً لاحتياجات المشاريع المقرر دعمها، وقد تم توقيع مذكرات تفاهم مع العديد من الجهات، وكان آخرها التي وقعت مع البنك الأهلي لتدريب الكوادر السعودية الراغبة في إنشاء مشاريع تجارية يتبناها الصندوق.
اجتهادات متفرقة
* يدرك سموكم أهمية إنشاء بنك معلومات متكامل لخدمة المشاريع وبخاصة الصغيرة منها.. كيف ترون الدور الذي يمكن لرجال الأعمال القيام به في هذا الصدد؟
- إنشاء مركز معلومات يقدم المعلومات الحديثة والدقيقة لصغار المستثمرين تحديداً خطوة تساعد على نجاح المشاريع وهناك اجتهادات متفرقة في هذا الجانب، حيث يوجد العديد من مراكز المعلومات في هذا المجال تتبع لعدة جهات.
***
استرداد القرض
* سمو الأمير صندوق المئوية لا يطلب كفيلاً أو أية ضمانات وهذا شيء رائع.. ولكن كيف يضمن الصندوق استرداد قروضه.. أم أنه يقدم هبات خيرية ليس بالضرورة استردادها؟
- الصندوق يفكر في استرداد القرض قبل أن يفكر في تقديمه، لخدمة أعداد أكبر من المستفيدين، وهو بهذا المعنى لا يقدم أي هبات.. ويتبع الصندوق نظاماً متكاملاً يركز على اعتبارات مهمة تتعلق بالقدرات وبالجوانب الشخصية لطالبي التمويل، بالإضافة إلى جدوى مشاريعهم اقتصادياً وقابلية تطبيقها، ومن ثم تحدد لهم المبالغ المستحقة لتلك المشاريع، حيث تصرف لهم على دفعات بأسماء الموردين للمشروع. وتسدد هذه المبالغ للصندوق على مدى خمس سنوات تبدأ من الشهر السادس لبداية عمل المشروع، ويتوجب على كل صاحب مشروع أن يقدم تقريراً يومياً عن المصروفات والمبيعات من خلال أجهزة الحاسب التي يتم صرفها لأصحاب المشاريع من قبل الصندوق، ومن خلال برنامج إلى صمم ليخدم غرض المتابعة والإشراف والذي يتولى الصندوق تدريب كافة أصحاب المشاريع على استخدامه ليتمكن الصندوق من استشراف العقبات التي قد تعترض سير هذه المشاريع، وبذلك يعمل على التنبؤ بها سعياً في حلها، وقد روعي في تصميم هذا النظام السرية والتوثيق والمحاسبة اللازمة.
***
الحاضنات التقنية
* دعم الحاضنات التقنية ونشرها يمثل تجربة مهمة لدعم الأفكار الخلاقة في المجتمع استفادت منها العديد من الدول في رفع معدلات النمو الاقتصادي.. سمو الأمير ما دور الصندوق في دعم هذه الحاضنات؟
- برامج الصندوق هي أحد أشكال حاضنات الأعمال بشكل عام التي حققت نجاحاً على المستوى الدولي، وبالنسبة للحاضنات التقنية تحديداً فإن هناك عدة جهات أخرى هي المسئولة عنها وأهمها الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية التي بدأ عملها مؤخراً وهناك خطط لديها لدعم إنشاء الحاضنات التقنية.
وسوف يكون هناك تعاون بين الصندوق وجميع هذه الجهات لتشجيع الحاضنات التي اتفق معكم تماماً في أهمية دورها في التنمية الاقتصادية.
مرشدو المشاريع
* يعتمد الصندوق على موضوع الإرشاد، أود من سموكم إلقاء الضوء على هذا الجانب الذي يبدو أن التعريف به مازال محدوداً؟
- الإرشاد عمل تطوعي لخدمة المجتمع، ويتمثل في قيام شخص لديه الخبرة بتوجيه صاحب المشروع، والمرشد يمكن أن يكون رجل أعمال أو موظفاً في الدولة أو في القطاع الخاص، أو من الأكاديميين في الجامعات أو كذلك من المتقاعدين، ولا يشترط أن يكون سعودي الجنسية، ويدعو الصندوق أي شخص سواء كان رجلاً أو امرأة يأنس في نفسه القدرة والكفاءة على تقديم عطاء متميز للشباب الناشئ أن يتقدم للصندوق لتحديد المشروع المناسب لخبراته، وهناك بعض المزايا والحوافز يقدمها الصندوق للمرشدين، للتعبير عن تقدير الصندوق لهذه المساهمة الوطنية من المرشدين. كما يدعو الصندوق الجهات الحكومية والخاصة لترشيح موظفيها المتميزين ليكونوا مرشدين متطوعين، وقد كان للهيئة العامة للاستثمار المبادرة والسبق في ذلك، فقد رشحت الهيئة عدداً من موظفيها وعلى رأسهم معالي المحافظ ليكونوا مرشدين متطوعين لمشاريع الصندوق. ونطمح ونأمل أن يكون التطوع للعمل الإرشادي على مستوى الجهات والمؤسسات وليس على مستوى الأفراد فحسب، حيث ستزداد أعداد المشاريع التي سيقوم الصندوق بدعمها.
***
لا دعم دون مرشد
* سمو الأمير.. وفي حالة عدم وجود مرشدين للمشاريع كيف تواجهون الأمر؟
- سياسة الصندوق تقوم على أن يخصص لكل مشروع مرشد واحد على الأقل، وفي حال عدم توفر مرشدين أو مرشدات للمشاريع في أي منطقة فإن الصندوق لا يمكن أن يقدم الدعم للمشاريع في تلك المنطقة.
***
معوقات تواجه الصندوق
* أخيراً سمو الأمير وبكل شفافية.. ما هي المعوقات التي واجهت الصندوق؟
- الصندوق مر بمرحلة تجريبية لمعرفة جوانب القوة والضعف في الأداء بشكل عام، وتعّرف الصندوق على الكثير من الإيجابيات وكذلك بعض السلبيات، كما واجهت بعض المشاريع صعوبات إجرائية معينة عند التطبيق في البداية.
والمهم أن الصندوق استفاد من تجربته تلك، حيث تم إعادة تصميم بعض النماذج مثل نماذج طلب التمويل، كما تم تعديل بعض الإجراءات، والحقيقة أن هناك تعاوناً متزايداً من جميع الجهات الحكومية ذات العلاقة ومن الغرف التجارية، مما سوف يسهل بإذن الله عمل الصندوق وتنفيذ المشاريع في المرحلة المقبلة.
|