أعداء اليوم قد يصبحون أصدقاء بل لربما حلفاء الغد، وأصدقاء وحلفاء اليوم قد يتحولون إلى أعداء في الغد.. قاعدة أساسية من قواعد العلاقات الدولية لا يمكن أن يستثنى حدوثها من أي علاقات إقليمية أو دولية ثنائية أو جماعية، وهي حقيقة قد تفسر معظم العلاقات الدولية في المستقبل عامة والعلاقات الأمريكية الإيرانية خاصة.
السبب الرئيسي في صحة ودقة تلك المقولة الشهيرة وجود تحولات، أو تغيرات، أو حتى تعديلات في متون المصالح القومية الاستراتيجية أو حتى في قواعدها الحيوية للدول عامة وخصوصاً الدول العظمى أو الكبرى. ومن جهة أخرى متماشية معها بفعل ظهور مستجدات أمنية أو سياسية أو كلتيهما في مواقع النفوذ للدول العظمى أو الكبرى، أخيراً قد تتحقق تلك المقولة نتيجة لحدوث تطورات مهمة وخطيرة في الأجندة الاستراتيجية الخاصة بالدول خصوصاً فيما بين الأطراف الرئيسة المعنية برسم وإعادة رسم المصالح والاستراتيجية ومناطق النفوذ الحيوية.
شيء من هذا، بل ومن ذاك، قد يفسر الإعلان مؤخراً عن توصل واشنطن وطهران إلى اتفاق أولي للبدء في المحادثات الثنائية بين الدولتين حول العراق ووضع العراق وتطورات العراق بدءاً من النفط ومروراً بالنواحي الأمنية والإرهابية، ونهاية بأوضاع المعارضة الإيرانية في العراق وخارج العراق، أي في العالم عامة والولايات المتحدة الأمريكية خاصة.
التطور بالفعل وبجميع المعايير السياسية والموضوعية تطور مهم بالغ في الخطورة، له دلالات ومعان عدة لا تقل عن الخطر الأكيد على المنظومة الاقليمية على المدى القريب، ولا تكثر عن الخطر الداهم الأعظم على المنطقة وعلاقاتها المستقبلية على المدى البعيد.. والتطور قد يتمخض عنه تطورات شبه شاملة بالطبع قد لا يستبعد بفعلها إعادة رسم الخارطة المصلحية والنفوذية العالمية برمتها، بل وتحديث أولوياتها وأجندتها بشكل يختلف تماماً عن واقع وحقائق الماضي.
مؤشرات وإرهاصات سياسية واقتصادية كثيرة تفسر حقيقة التطور الجديد في العلاقات الإيرانية الأمريكية ومن ثم في المنطقة بعد أن وصل الخلاف بين الطرفين في الأشهر الماضية إلى (شفير الهاوية) سواء كان ذلك الصراع حول الوضع الداخلي في العراق وترتيباته الأمريكية المنفردة، أو بفعل تداعيات الملف النووي الايراني الذي لم تتمكن واشنطن من تحريكه وتوجيهه كيفما تشاء بسبب المعارضة الروسية والصينية لها في مجلس الأمن الدولي، وكنتيجة للتخاذل الأوروبي.
وعلى ما يبدو من تطورات الأحداث في العراق أولاً ومن ثم في إيران حالياً فإن كلاً من روسيا والصين وإيران اتفقت جميعاً على كره السياسة الأمريكية في العالم عامة وفي المنطقة خاصة، بل وتعاهدت بشكل ضمني غير معلن على مقاومة تحركات واشنطن الدولية والاقليمية المنفردة، التحركات التي وإن كان في ظاهرها أمور مبطنة تعنى بالحفاظ على المصالح الغربية عامة، إلا أن باطنها لا يمكن أن يختلف عن ظاهرها المصلحي الذاتي بأي حال من الأحوال.
جانب من جوانب المعادلة المستجدة يتعلق بالسياسة الروسية القادمة، فروسيا تريد العودة إلى ممارسة سياساتها ودبلوماسيتها كدولة كبرى في مختلف مناطق العالم التي تعكس مصالحها القومية، كما تريد نصيبها من صناعة سياسات منطقة الشرق الأوسط تحديداً لكونها لاعب قديم في المنطقة (لاعب جزئي أو تابع) ويهمها إعادة تفعيل دورها السياسي والعسكري القديم بأي وسيلة أو شكل أو مستوى، بيد أن الولايات المتحدة الأمريكية باسمها وباسم أوروبا (التي تلعب بدورها دوراً ثانوياً في اللعبة ولكن بشكل ضمني) من يقف لروسيا الاتحادية بالمرصاد ويعمل على تحجيم دورها بل ويحرص على تجميد سياساتها، وهو تطور ترفض موسكو تحمله لوقت طويل.
ومن جانب آخر للمعادلة تعد الصين لاعباً جديداً يتدخل في المنطقة من وقت لآخر ولكن على استحياء؛ فالصين لاعب له مصالح استراتيجية اقتصادية جديدة نتيجة لنمو صناعاته المختلفة وتضخم علاقاته التجارية، بمعنى أن الصين لاعب ينمو في الحجم السياسي وفي القوة الاقتصادية كي يحقق التقارب مع حجمه الجغرافي والسكاني، لذلك السبب تبحث الصين عن شراكات جديدة، وعن أسواق واعدة، وعن دور رئيسي في صناعة السياسات الدولية والإقليمية. لكن أيضاً تقف الولايات المتحدة الأمريكية (ومعها بريطانيا ووراءهما أوروبا) كالمرصاد في وجه التحركات والتوجهات الصينية (البعض يشير إليها بالأطماع والبعض الآخر يسميها المصالح ومناطق النفوذ.. اختلفت المسميات والمعنى واحد) أو بمعنى أدق تعمل واشنطن على خنق الطموحات والآمال الصينية، وهو وضع لا تقبل باستمراره بكين.
الجانب الثالث من المعادلة، يعتبر إيران ذاتها كدولة رئيسية ومحورية في المنطقة بل وفي العالم (على أساس أنها قائدة العالم الإسلامي الشيعي وفي عهد الشاه كان يقال بأنها شرطي المنطقة) وهي بالفعل دولة لها حساباتها الخاصة وأهدافها وأطماعها ومصالحها القومية الخاصة التي وإن كانت تشترك نوعاً ما في توجهات بعض المصالح العامة للمنطقة إلا أنها تنفرد عنها انطلاقاً من واقعها القومي والعرقي؛ إذ إن إيران تنظر إلى واقعها القومي العرقي كواقع احادي منفرد له مداخلاته ومشاكله وتحدياته مع الواقع الجغرافي القومي العرقي العام والخاص المحيط بها سواء من الشرق الباكستاني والأفغاني أو من الغرب العربي أو حتى من الشمال التركي؛ لذلك لا بد من الحفاظ على مقومات البقاء القومي الإيراني (الفارسي) بأي طريقة كانت وتحديداً فيما يتعلق بتحقيق التفوق العسكري الكمي والنوعي على الجميع إنْ تطلب الأمر وإن أمكنها ذلك.. وللحوار بقية إن شاء الله.
|